الجهاد ضد الفئران

وكأنه لم تكفينا فتاوى القتل والذبح التي يخرج لنا بها كل مرة منظرو الإرهاب والتطرف، لتطلع لنا دعوة أخرى تفتي بالجهاد ضد ميكي ماوس وتوم وجيري.

لا أدري هل الشيخ محمد المنجد راض تماما عن ما ورد على لسانه، وعن كل تلك المقالات التي كتبت ردا عليه والضجة التي أثارها بفتوى تتخذ من شخصيات طفولية أعداء للمسلمين؟
ما أستغربه في الأمر ليس تناول علماء الدين للرسوم المتحركة بالنقد والتمحيص والتحليل، وإنما الطريقة التي يعالجون بها دائما هذه القضايا، ومثال تحريم البوكيمون ليس بعيدا علينا.

أفلام الكارتون وإن كانت موجهة للأطفال، فهي ليست من انجاز ملائكة، وهي قبل غيرها من الأعمال الفنية أولى بالدراسة والمعالجة والتمعن في شكلها ومضمونها، لأنها موجهة لشريحة لا تزال غير قادرة على التفريق جيدا بين الحلال والحرام والمباح والممنوع والجيد والرديء، ولا تملك وعيا كافيا للنقد، وإن كان هذا الوعي يفتقده حتى أغلبية الكبار من المشاهدين.

لكن المؤسف أن علماء الدين عندنا لما يتجهون نحو هذه القضايا، يكون اتجاههم هجوميا عنيفا منفرا، بعيدا عن الإقناع، ويكون سببا لظهور الكثير من تعليقات السخرية والتهكم على مثل هذه الفتاوى التي تتخذ من ميكي ماوس وتوم وجيري أعداء، وتجعل بيكاتشو وبني جلدته من البوكيمون أكبر خطر على عقيدة وديانة أطفالنا.

الفأر نعم، أحقر الحيوانات وأكثرها ضررا ونقلا للأمراض، ولعلماء الدين والنفس والاجتماع الحق في معارضة جعله بطلا كارتونيا مسليا للأطفال، لكن ليس بتسميته جند الشيطان والنداء بمحاربته افتراضيا كما في الواقع.

وبكل صراحة، أجيال عديدة نشأت ولا تزال على مشاهدة ميكي ماوس وتوم وجيري، ولا أظن أنه يوجد منهم من تحوّل إلى عاشق للفئران أو مدافع عنها، وإلا لتحوّل عندها إلى ذلك المذهب الهندوسي الذي يقدس الفئران ويتخذ لها معابد.

ربما لو كانت هذه الفتوى أكثر هدوءا واتزانا وغير عنيفة، سأكون عندها ميالا لها، لأني أتمنى رؤية حيوانات أخرى في دور البطولة بالرسوم المتحركة غير الفئران والخنازير، أي حيوانات نبيلة يكون نبلها واقعيا وافتراضيا.

الفتاوى التي تكون عبارة عن تصريحات قمعية لا تنفع إلا في إثارة الضجة الإعلامية وعمل دعاية مجانية لصاحب الفتوى وللقضية المعنية، وأحسن مثال مسلسل نور الذي بقدر ما زادت الفتاوى حوله بقدر ما زاد عدد عشاقه.

ثم أن الفتاوى ضد الأعمال الفنية بكل أنواعها يجب أن تكون مدروسة جيدا، لأن علماء الدين أصلا متهمون بقمع الفن وتقييده.

0 تعليقــات:

إرسال تعليق

free counters

عن المدونة

مقالات الكاتب و الناشط في مجال الأعمال الخيرية و الإنسانية جمال الدين بوزيان