‏إظهار الرسائل ذات التسميات مواضيع عامة ، سياسة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مواضيع عامة ، سياسة. إظهار كافة الرسائل

استيراد الحلول

الحديث عن العالم الثالث و نهضته و مشاكله لا يجب أن يكون بعيدا عن تخصص علم اجتماع التنمية و نظرياته، القديمة و الجديدة بما فيها نظرية التبعية و نظرية التحديث، لذلك أترك الخوض في هذا المجال لذوي الاختصاص من أساتذة و باحثين في علم الاجتماع، لأنهم الأقدر و الأجدر على الخوض فيه و الإفادة بما لا يمكن لأحد غيرهم من باقي التخصصات الاجتماعية و الإنسانية.

عن رأيي البسيط و المتواضع حول هذا الموضوع، أستطيع أن أضع له عنوانا بارزا يتركز حول استقدام الحلول الجاهزة لمعالجة مشاكل العالم الثالث، حلول قد تكون نجحت أو فشلت من قبل في دول و مجتمعات أخرى، مختلفة تماما عن دول و مجتمعات العالم الثالث الحالي، الحلول و البرامج المطبوخة سابقا في دولة أخرى بناءا على خصوصياتها الثقافية و الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية و الجغرافية و المناخية، للأسف يتم استقدام هذه البرامج التنموية و تطبيقها بسذاجة و بدون أدنى اعتبار لكل تلك الخصوصيات. فكل مجتمع و بكل بساطة له خصوصياته و ما يصلح للنهوض به، و لا توجد مسلمات و بديهيات في هذا المجال، لماذا نستنسخ إذا الحلول كما هي بدون تغيير؟ لماذا لا يتم تشجيع البحث العلمي الحقيقي، و الأخذ بعين الاعتبار نتائج البحوث، و استغلالها في إنشاء برامج تنموية خاصة و محلية؟

إن الفشل المتكرر لعدد من البرامج التنموية المتبعة في دول العالم الثالث يؤدي بنا إلى شبه قناعة بعدم وجود رغبة حقيقية لدى أصحاب القرار للنهوض بمجتمعاتهم، و أن الوضعية الحالية هي المناسبة لهم.

كما أن الفساد و تفشي الرشوة و الاختلاسات و الواسطة و المحسوبية و عدم تكافئ الفرص و غياب العادلة الاجتماعية، كلها أمور تعرقل أي برنامج تنموي سواء على المدى القريب أو البعيد، مما يبقي على مشاكل الفقر و البطالة و السكن و تدني الأجور، و يبقي على إنسان العالم الثالث بعيدا عن الحياة الطبيعية الجميلة التي يحياها إنسان العالم المتقدم، و بالتالي يصبح الوصول إلى الضفة الأخرى من العالم هو أقوى حلم لدى أغلب سكان العالم الثالث، فتتعدد طرق و أشكال الهجرة الشرعية و غير الشرعية.

و كما نرى دائما، فإن المهاجرين ينقلون أشكال حياة العالم الثالث إلى العالم المتطور، مع أن نسبة كبيرة من هؤلاء المهاجرين اندمجت في الحياة بالمجتمعات المتقدمة من الناحية المادية و الثقافية.

العالم الثالث اليوم، هو عبارة عن مجتمعات لا زراعية و لا صناعية، لا هو قادر على توفير اكتفاء زراعي و غذائي، و لا هو قادر على اللحاق بالصناعة كما في الدول المتقدمة، هو الآن خليط لسياسات و برامج متراكمة و متعاقبة، فاشلة طبعا.

إن النهضة الحقيقية و الطبيعية لأي دولة و مجتمع تكون في كل المجالات، العلمية و الثقافية، الاقتصادية و الاجتماعية، و السياسية، حيث تسود الديمقراطية و حرية الرأي و التعبير و الاعتقاد، و الرفاهية المالية و الاقتصادية، و التماسك الاجتماعي، و الحركية الثقافية، و يكون هذا عبر تطبيق برامج فعالة و مناسبة في كل مجال من هذه المجالات و عبر تخطيط صحيح لكل، و في ظل وجود إرادة صادقة و تطبيق و جهد متواصل، و لكن في الغالب و حسب ما يحدث دائما، فإن نهضة الدول و المجتمعات لا تسير بنفس الوتيرة في كل المجالات، فقد يحدث أن يطغى الجانب الاقتصادي مثلا على باقي الجوانب، أو أي مجال على حساب مجال آخر، و لكنها في الأخير كلها مترابطة و يجر بعضها بعضا.

للأسف، في العالم الثالث لم يطغ أي جانب، و لم نر بروز النهضة في أي مجال، باستثناء بعض الأمثلة و التجارب الخاصة و التي لا يمكن التعميم بسببها.


( نُشر في مجلة "المسار" الجامعية - جامعة السلطان قابوس - سلطنة عمان)

انبطاح الصحافة في زمن العهدة المضمونة

لم أتعجب لنتيجة الانتخابات الرئاسية الأخيرة، و لم تفاجئني نسبة فوز الرئيس الحالي و لا نسبة المشاركة، الطبخة كانت متوقعة من الجميع، مناصرين و معارضين، كما أني هذه المرة عايشت عملية التزوير و فهمتها جيدا، و لا يمكن طبعا أن أقول أني شاهد على عملية التزوير، لأنه ليس لي دليل مادي على ذلك.

ما جعلني أتفاجأ، هو نسبة الانبطاح، انبطاح الصحافة الجزائرية المكتوبة، و الناطقة بالعربية خاصة، و لم تسلم من هذا التحول نحو الانبطاح ربما إلا جريدة الخبر بكل فروعها، و هي في رأيي أكثرهم احترافية و صدقا و مصداقية.

بينما الصحف الناطقة بالفرنسية سارت أغلبها في طريق المعارضة، اختارت الصحف المعربة انتهاج مسار المساندة و التصفيق و التهليل للرئيس الأبدي و النادر حسب رأييهم، فهو حسب ما يقولون رئيس لم تلد الجزائر مثله من قبل و يشككون في أن تلد مثله فيما بعد !!!

لم أكن أتوقع أن يكون خضوع و خنوع الصحف المعربة إلى هذا الحد، خاصة بعض الصحف البارزة و الناجحة و التي عودتنا على النقد و الصراحة في الطرح، لكن يبدو أن الرئيس الحالي و من معه استطاعوا ترويض ما لا يروض أبدا، بدءا بالجنرالات و الوزراء و رؤساء الأحزاب، و وصولا إلى الصحف التي تسمي نفسها مستقلة و حرة.

لا أدري هل يوجد فعلا من لا يمكن ترويضه؟ كيف يتم الترويض؟

بكل بساطة، الترويض يتم عن طريق ملئ البطون و الجيوب، و مسح الديون، و المضحك المبكي أنهم بعد أن تملئ بطونهم ينقلبون 360 درجة إلى الجهة المعاكسة، لنسمع منهم بعد ذلك عبارات التبجيل و التعظيم للرئيس الحالي، لدرجة أن جريدة النهار مثلا نشرت قبل و بعد الانتخابات تقريرا مطولا عن حياة بوتفليقة سمته "لأول مرة…أسرار عن بوتفليقة الرجل"، و ستفاجئون لهول ما تقرؤون، حيث خيل إليّ أني أقرأ عن نبي جديد سيبعث إلى أرض الجزائر، و كأن كاتب الموضوع كان يحاكي سيرة سيد الخلق محمد صلى الله عليه و سلّم، أظن كاتب الموضوع كان يخجل فقط من إضافة عبارة "بوتفليقة رضي الله عنه"، فالجريدة التي نشرت الموضوع أثبتت أنها سيدة الانبطاح بلا منازع، و فعلا فقد فاتت باقي الجرائد بأشواط كبيرة في الانبطاح، رغم أنها كلها أقدم منها و كانت أسبق منها لميدان التودد لأولياء النعم.

كنت أعلم كما الجميع يعلم طبعا، أن حرية الصحافة بالجزائر هي حرية نسبية، و أن استقلاليتها ليست تامة، و كلها تعاني نوعا من التبعية لمصدر رأس المال، و لجهة صاحب الدعم و من له الفضل في استمرارية الجريدة، و مع ذلك لم أكن أتصور أننا سنرى صحافة منبطحة لهذه الدرجة مع الأيام الأولى للعهدة المضمونة.

ما الذي منعكم عن 99% ؟

حسب ما كان متوقعا، و بدون أي مفاجآت، كان الفوز في الانتخابات الرئاسية الجزائرية من نصيب الرئيس الحالي "عبد العزيز بوتفليقة" بنسبة 90,24%، حيث سيطر لوحده على أكثر من 12 مليون صوت، بينما اقتسم باقي الأرانب المنافسين له حوالي مليوني صوت، مع أن الأرانب مظلومة بتشبيه المنافسين الخمسة لبوتفليقة بها، الأرانب أرقى منهم، على الأقل هي لا تخفي خوفها، و لا تتظاهر بالقوة، و لا تستأسد و تأخذ أدوارا لا تليق بها.

نسبة المشاركة أيضا كانت ضخمة حسب المؤلفين للمسرحية الانتخابية، 74,54%، لا أدري ما الذي منعهم من جعلها أكثر ضخامة؟ ما دامت لهم الجرأة لحد يومنا هذا و في سنة 2009 من تأليف المسرحيات الانتخابية، و تكريس ديمقراطية العالم الثالث، تماما كما في أغلب الدول العربية و الإفريقية.

و لا أدري ما الذي منعهم من جعل نسبة الفوز تقارب 99% ؟ هل ولّت موضة هذه النسب؟ أظن الدارج هذه الأيام هي موضة النسب المعقولة قليلا، على الأقل نسبة 90% تركت جزءا صغيرا يتقاسمه باقي المنافسين، من غير المعقول أن يقتسم 5 منافسين 200 ألف صوت، بينما يأخذ متنافس واحد لنفسه 99% من الأصوات!!!

الله يرحم تلك الأيام، عندما كان الرئيس يفوز بـ 99% من الأصوات، حينما لم تكن هناك لا لجنة مراقبة و لا مجتمع دولي أو مدني، لا عولمة و لا وسائل إعلام منتشرة كما الآن.

و تماما كما يحدث في مجال الفن و الدراما العربية، التي تغيرت منذ ظهورها ليومنا هذا، تماشيا مع التطورات الحاصلة و الظروف المعاشة، نجد المسرحيات الانتخابية أيضا تتغير تماشيا مع الأحداث و الجو السائد في العالم و في البلد نفسه، مع أن نسبة 90% أيضا غير معقولة، لكنها في نظر أصحاب براءة اختراع النسبة 99% تعتبر معقولة جدا، بل و منخفضة مقارنة مع التأييد الشعبي الكبير لفخامته و الانجازات العظيمة و الجليلة التي حققها منذ 10 سنوات، رغم أنه اعترف بنفسه في شهر جويلية 2008 بفشله خلال العهدتين الرئاسيتين اللتين حظي بهما، ما الذي جعله يصر على الثالثة؟

أنا و من يكتب مثلي نوضع في نفس الإطار، و نوصف بالخيانة و بأننا نعرقل مصالح البلاد، بمعنى أنه يجب أن نكون من ضمن المصفقين لهم، و إلا فنحن خونة، تماما كما كان يفعل أنصار الشيوعية في السابق.

يجب أن نؤمن بديمقراطية العالم الثالث و إلا فنحن لا نحب وطننا، و يجب أن نتعلم قول نعم، و إلا فكلمة "لا" هي تعبير صريح عن الخيانة.

أكثر ما يزعجني في مسألة معارضتي هذه، أن التنظيم الإرهابي بالجزائر أو ما يسمونه "تنظيم القاعدة ببلاد المغرب العربي" و الذي مازال يقتل الأبرياء، هو أيضا دعا إلى مقاطعة الانتخابات، لذلك كنت منزعجا من تصنيفي معه، مع أني لم أدع للمقاطعة بقدر ما كنت أحلم بجعل الانتخابات ديمقراطية فعلا و إراحتنا من مسرحياتهم الرديئة.

أحادية متنكرة

بعد أحداث الخامس أكتوبر 1988 دخلت الجزائر مرحلة جديدة ميزها تغير شكل النظام، و تغير طريقة الوصول إلى الحكم، و التعددية الحزبية، و حرية الرأي و التعبير، و حرية الصحافة و الإعلام.

و منذ ذلك الوقت، و نحن نقول بأنها حرية نسبية و تعددية شكلية، و بأن التغيير الحاصل ما هو إلا تغيير في الشكل بينما المضمون بقي نفسه، و أصحاب القرار الأوّل و الأخير هم أنفسهم لم يتغيرو، و مصير الجزائر و شعبها لا يزال بين أيدي نفس الفئة و نفس الأشخاص، و هي أيدي غير أمينة طبعا.

الآن، نحن متأكدون أكثر من أي وقت مضى من أن الجزائر تعرف أحادية متنكرة في زيّ التعددية، فالديمقراطية و الحرية متاحة فقط للحد الذي يجعل الديكور جميلا و المجتمع الدولي راضيا.

المتابع للحملة الانتخابية الرئاسية هذه الأيام يفهم كلامي جيدا، و يتأكد من أن نظام الحكم أحادي مع ماكياج و روتوشات تعددية.

المقارنة بين الحملة الانتخابية للرئيس الحالي "بوتفليقة" الذي يسمي نفسه مترشحا حرا، و بين حملات الترويج لمنافسيه الخمسة الآخرين، يلاحظ الفرق الكبير بين الإمكانيات المسخرة للترويج لبوتفليقة و هي طبعا كل إمكانيات و مؤسسات الدولة بما فيها القدرات البشرية المسخرة طوعا و كراهية، و بين الإمكانيات البسيطة لباقي المترشحين لسباق الرئاسيات، و الذين اشتهروا هذه الأيام في الصحافة الجزائرية بلقب "الأرانب"، و كأنه يوجد اتفاق غير مقصود بين أغلب الصحف على أن السباق في الرئاسيات محسوم لصالح الرئيس الحالي، و أن باقي المترشحين هم مجرد أرانب سباق لاستكمال ديكور الديمقراطية و إعطاء مصداقية للانتخابات.

هناك أيضا قناعة شبه تامة لدى أفراد الشعب بأن النتيجة المرتقبة معروفة، و لا يوجد أي تشويق أو احتمال آخر، كما أن هذه القناعة جعلت أعدادا هائلة من ماسحي أحذية الكبار و محترفي التملق تتجه نحو الرئيس الحالي، لأنه الرئيس القادم، و هو أيضا الرئيس بعد القادم، و الذي يمكن الاستفادة كثيرا من الترويج و التصفيق له (حسب اعتقادهم).

و أنا و من ينتقد الأوضاع السائدة مثلي، نفعل هذا بحرية و بدون إزعاج لأننا جزء من الديكور الجميل للديمقراطية المصطنعة، ديمقراطية العالم الثالث، و إلا ما الذي يمنعهم من السكوت عن كل ما يقال و يكتب؟

و مع ذلك، لا أنكر بأنه خلال سنوات التسعينات الأولى، عرفت الجزائر نوعا من الحرية الحقيقية في التحزب و الصحافة، و ديمقراطية كبيرة في التعبير و إبداء الرأي، لكنها كانت حرية عشوائية و فوضى بدون قواعد، كادت تجعل الجزائر مثل أفغانستان.

الاعـتــذار أوّلا

فكرة المقال كانت تراودني منذ مدة، خاصة مع تصدر إيران نشرات الأخبار اليومية، و حضورها بصفة مباشرة أو غير مباشرة في تلك الأحداث، سواء كان الحديث عن برنامجها النووي، أو عن تدخلها في الشأن العربي و القضايا الشائكة بالمنطقة، و علاقتها بحزب الله و حركة حماس، و دورها في تحريك وتيرة الأحداث و تحكمها في مواقف و قرارات الدول و الحكام.


في الفترة الأخيرة، أو بالأحرى في السنوات الأخيرة، ازداد الضغط على إيران من طرف معارضيها على اختلاف أسبابهم، و تعالت الأصوات لوقف المد الإيراني بالمنطقة و الخطر الذي ينتظرها إن تمكنت إيران من انجاز مخططاتها بالشرق الأوسط (أو ما جعلونا نسميه رغما عنا الشرق الأوسط).


كل هذا، جعلني أعود بتفكيري إلى الوراء، إلى سنوات طفولتي في الثمانينات عندما كنا نسمع عن "تصدير الثورة الإيرانية"، و ما كان يتداول في الشارع بين الناس على ما حققته هذه الثورة الخمينية من نصر للإسلام و للحكم الإسلامي.


كان الناس منبهرون بما يقال عن إيران، و كانت تردنا الأنباء أيضا عن جزائريين عبروا إلى هناك للتدرب على الجهاد !!! لكن الجهاد ضد من؟ إن كانت الثورة الإسلامية بإيران تعتبر نموذجا مثاليا لهم، هذا يعني أنهم يتدربون على محاكاتها هنا بالجزائر و العمل بها كما فعلوا هم ببلادهم؟


و هذا ما حدث فعلا بسببهم و بسبب من ذهبوا إلى أفغانستان كمجاهدين ضد السوفيات و عادوا كإرهابيين متعطشين لدماء أبناء شعبهم، دون أن ننسى المذهب الوهابي السلفي الكبير الذي يتحمل النصيب الأكبر من وزر دماء الجزائريين التي سالت، فتاوى القتل و الذبح الوهابية كانت ممزوجة مع فتاوى الإخوان المسلمين في ذلك الوقت، و لم نكن نفرق كما اليوم كثيرا بين الإخواني و السلفي، فكل كلامهم كان يبدو لنا متشابها، فكله عن إباحة و هدر دماء الشعب الجزائري.


إيران ليست بريئة، و هي مطالبة بالاعتذار اليوم، و كذلك كل التنظيمات الدينية و الإرهابية السابقة و شيوخ الدين المتطرفين بالأمس و المعتدلين اليوم، كل هؤلاء مطالبون بالاعتذار للجزائر، و لا يكفي توقفهم عن تصدير الإرهاب و دعمه و الترويج له، و من الأولى لشيوخ السلفية الوهابية الذين يتكرمون علينا بزياراتهم للمشاركة في حقن الدماء، أن يعتذروا أولا عن الفتاوى الصادرة منهم و التي كانت سببا في إراقة تلك الدماء.

كلهم طباخون

غريب أمر الإرهابيين الجزائريين التائبين، ففي كل مرة يتم فيها الحديث مع أحدهم و سؤاله عن المهام المكلف بها قبل توبته، إلاّ و كان جوابه: "كنت طباخا".

كلهم كانوا طباخين، لا أحد فيهم قتل و ذبح، أو سرق و أحرق، أو نهب و اغتصب، و كأنهم طيلة فترة غيابهم عن منازلهم و تواجدهم بالجبال كانوا في تربص أو تكوين بمعهد للطبخ !!!

لست ضد ما تسمى المصالحة الوطنية، و لا ضد ما يسمونه الوئام المدني، كلنا نحب السلم و الأمن و الاستقرار، و لا أنكر الفرق الكبير بين الوضعية الأمنية السابقة، و بين الوضعية الحالية بعد تطبيق أغلب محتوى تلك البرامج (الوئام و بعده بسنوات المصالحة)، لكني أتساءل دائما إن كان العفو العشوائي هو الحل الأمثل لكل ما حصل، و هل هو الجزاء المناسب لكل هؤلاء النازلين من الجبال على ما فعلوا؟

إن كان جزاءا لممارستهم الطبخ، فهو نعم الجزاء، لكن إن كان من بين أؤلئك المعفى عنهم من ذبح جاره، و اغتصب القاصرات و وضع القنابل و المتفجرات، هل نعامله كمن لم يفعل شيئا؟ هل نضعه بمرتبة من كان فعلا يطبخ للإرهابيين أو يزودهم بالمؤونة؟ مع أن هذه المهمة أيضا لا تقل قذارة عن القتل إلا بالقليل.

من بين هؤلاء النازلون من الجبال، من كان مؤطرا و مخططا و منفذا لأكبر العمليات الإرهابية و أكثرها استمرارية، هل يعقل أن يتم العفو الشامل عنه هكذا و بكل بساطة و كأن خطأه كان مجرد عنف لفظي لا يتجاوز السب و الشتم.

لست أفهم كيف يتحول أمثالهم من المطلوبين رقم واحد لدى الأمن الجزائري، إلى نجوم على صفحات الإعلام يتحدثون عن الوئام و المصالحة و يروجون لها و يحفزون من بقي بالجبال على العمل مثلهم و التمتع بامتيازات برامج العفو العشوائي الشامل.

و منهم من أصبح يتحدث أيضا عن القضية الفلسطينية، و ينظم للمظاهرات التضامنية مع قطاع غزة، و يتوعد إسرائيل، ربما يتوعدها بأن يفعل بها كما فعل هنا بأبناء وطنه، و ما يثير اشمئزازي هو نفاق بعض الصحف التي لم تفوت الفرصة لتقديم التحية لمؤطر الإرهاب هذا، و الذي يحاول غسل ذنوبه بالتضامن مع غزة، و كأنه يقتدي بالراقصات المصريات اللائي يغسلن ذنوبهن في رمضان بالعمرة و تنظيم موائد الرحمان، مع الإصرار على العودة إلى الاسترزاق من الرقص بعد رمضان.

من المفروض أن من يتوب عن ذنب يجب أن يقرّ به أولا و يصر على عدم العودة إليه، و التائب من ذنب معين يكون خجلا من فترة معصيته و ارتكابه للذنوب، لكن الواقع هنا بخصوص هذه الفئة ليس هكذا أبدا.
كغيري من أبناء الجزائر أحلم بالأمن و الاستقرار، و أؤمن فعلا بالمثل المصري الجميل الذي له أصل في السنة النبوية الشريفة، و الذي تتحفنا به الدراما المصرية دائما: "المسامح كريم"، لكن في وضعية الجزائر اليوم و بالنظر لما حصل و يحصل، أظن أن المثل يصبح "المسامح ضعيف"، لأن المسامح هنا مجبر لا حل له إلا العفو العشوائي الشامل.

ارحمونا من جلالته وفخامته

في الوطن العربي، لا تقام أي تظاهرة كبيرة أو صغيرة، إلا برعاية الملك أو الرئيس، كل الإعلانات التي تروج لتلك التظاهرات مكتوب عليها عبارة “تحت رعاية جلالة الملك..” أو “تحت رعاية فخامة الرئيس..”

جلالته أو فخامته لهم الفضل في رعاية التظاهرات والاحتفالات السياسة، والاقتصادية والاجتماعية، والخيرية، وخاصة هذه الأخيرة، التي يبدو أنها لن تكون أبدا بدون تدخل أصحاب الجلالة والفخامة، وكأنهم هم من جاءوا بالخير للدنيا، وكأن الخير لن يظهر للوجود ولن يشمل الضعفاء والمساكين من دون رعاية الحكام.

أصبحت أشعر بالاشمئزاز من تلك البرامج التلفزيونية التي تنجز للترويج لفخامته وجلالته، حيث تحاول إقناعنا بأنه لو لم يتدخل حاكم تلك الدولة أو المملكة لما تمكن ذلك المريض أو المعاق من العلاج. فتارة يقولون لنا بأن جلالته أو فخامته أرجع البصر لأعين طفل فقير، وتارة أخرى أنه أنقذ عائلة بأكملها من العراء وأرجع لها كرامتها، وكل هذا من خزينة الدولة والتي من المفروض أن يعم خيرها على جميع أفراد المجتمع من دون تدخل استثنائي من أصحاب الفخامة والجلالة.

لماذا تكون مليمات وسنتيمات تلك الخزينة حكرا فقط على الحالات التي يتطرق لها الإعلام لغرض التملق للحاكم ومدحه كما كان ولازال يفعل بعض الفنانين والشعراء؟

أليس من المنطقي أن الدولة أو المملكة إذا دخل الخير إلى خزائنها أن يعم ذلك الخير كل المواطنين وأفراد الشعب؟

لا أتحدث هنا عن اشتراكية مثالية، ولا أطالب بتوزيع ريع وأرباح النفط على كل فرد من الشعب كما فعل القذافي أو يقولون أنه سيفعل، كل ما أنوي الوصول إليه، هو أنه من الغريب أن نرى عائلات تتضور جوعا أو مريضا يموت بسبب عجزه عن توفير تكاليف العلاج في دولة أو مملكة خزائنها ممتلئة وحكامها يتباهون أمام المجتمع الدولي بزيادة الدخل السنوي وارتفاع معدل التنمية بها.

في الجزائر مثلا، قوانين الحماية الاجتماعية الخاصة بالفئات المحرومة وبالمعاقين والمرضى أعتبرها قوانين مشوهة، فيها ظلم واستهزاء كبير بتلك الفئات، أليس الأجدر أن تعدّل تلك القوانين حتى نرحم المواطن من اللجوء إلى استجداء الجمعيات الخيرية والمساجد، أو اللجوء للصحافة المكتوبة لعرض تسوله، لماذا ينتظر وزير التضامن الوطني دائما نشر تلك الطلبات الملحة والمستعجلة على صفحات الجرائد ليتدخل بعدها كأبطال الأفلام الخيالية وينتشل صاحب المشكلة مما هو فيه، والمحزن أن ذلك التدخل أحيانا يكون تدخلا افتراضيا، ولا يتحقق على أرض الواقع ويبقى مجرد حبر على ورق الجرائد.

لا نريد بطولات وهمية لحكامنا ووزراءنا في الصحف والقنوات الفضائية، نريد تعديلا منصفا للقوانين الظالمة، تعديلا لقوانين الصحة والضمان الاجتماعي، وقوانين المعاقين والفئات المحرومة، قوانين تضمن تكافئ الفرص في الحصول على منصب عمل، أم أن الشاب البطال هو الآخر يحتاج لمحاولة انتحار أو تجريب الهجرة غير الشرعية للحصول على منصب عمل.

حلم آخر أختم به كالمعتاد، أحلم بقوانين عادلة تغنينا عن التدخلات الاستثنائية للحكام والبطولات الوهمية لجلالته وفخامته.

أوجه متعددة لحملة انتخابية نتيجتها معروفة

اعتدنا في الجزائر على أن لا نرى مليمات وسنتيمات خزينة الدولة إلا قبيل بدء الحملات الانتخابية، خاصة تلك المتعلقة بالرئاسيات والدساتير والبرامج والقوانين التي حتما ستكون نتيجة التصويت عليها بنعم، سواء رافقتها حملة انتخابية ناجحة، أو فاشلة، أو لم ترافقها أبدا.

لكن، الحملة الانتخابية هي لإكمال الديكور اللازم وجوده لتكون المسرحية جميلة وصالحة للمشاهدة. ولإيهام الناس بأن الحملة الانتخابية ناجحة، لا بد من فتح خزائن الدولة وتسخير محتواها للوصول للنتيجة الحتمية التي ستكون في النهاية مرضية لمن يتصرفون في مصير الجزائر ويقال عنهم بأنهم يحكمون ولا يظهرون في الصورة.

لذلك، لا يهم هذه الحملة هي لصالح الرئيس الحالي أم لرئيس آخر سيكون في مكانه حسب ما تتطلبه الظروف وما يرضي أصحاب القرار ومصائر الناس، المهم، أن الحملة بدأت قبل موعدها الرسمي، وإن تعددت أوجهها، وإن جاءت في شكل لا يوحي للمرة الأولى بأنها تندرج ضمن الحملة الانتخابية.

بالنسبة لبعض قوانين الحماية الاجتماعية الخاصة بالفئات المحرومة، لماذا لم يتم تعديلها إلا قبيل الانتخابات الرئاسية؟ طبعا ليقال بأن ذلك التعديل وهذه الإكراميات التي نزلت على الفئات المحرومة هي من طرف سيادة أو فخامة الرئيس. لماذا ترفع منحة المسنين من 1000 دينار جزائري إلى 3000 دينار جزائري في هذا الوقت بالذات؟

وماذا عن برنامج التشغيل الجديد الذي يقوم بتشغيل الشباب من ذوي المستوى التعليمي المتدني والذين تقل أعمارهم عن 35 سنة، وبمدة عقد لا تزيد عن سنة أو اثنتان فقط؟ لماذا في هذا الوقت بالذات قررتم الانتباه لهذه الفئة والقضاء الافتراضي على بطالتها وبيع الأوهام لهم بعقود لمدة عام أو عامين، وبعدها يبقى مصيرهم مجهولا؟

أظن مدة عام تكفي، لأنه عندها تكون الانتخابات الرئاسية قد مرت بخير وسلام، ويكون أغلبية الشباب الذين شملهم برنامج التشغيل الجديد قد انتخبوا على ولي نعمتهم وصاحب الفضل فيما هم فيه ينعمون.

لماذا استهداف هذه الفئات بالتحديد بتلك البرامج قبل الانتخابات؟

فئة المسنين، وفئة الشباب ذوي المستوى التعليمي الضعيف، ربما لأنها الفئة الأقل وعيا، ربما هي لأنها الفئة التي تؤمن بسرعة بأحقية الرئيس الحالي في عهدة ثالثة بفضل تلك البرامج؟ هل يعقل هذا؟

وماذا عن فئة الجامعيين وذوي المستوى التعليمي العالي؟

وعن النساء، هل يوجد شيء من ضمن تلك البرامج المروجة للمرشح الحقيقي للانتخابات الرئاسية؟ أظن النساء في الجزائر أكبر فئة تقوم بالانتخاب، وعدم استهدافهن بمثل تلك البرامج يعتبر خطأ كبيرا من قبل مخرجي ومؤلفي المسرحيات الانتخابية.

استغربت هذه المرة عدم التكرم على الشباب الجزائري بالإعفاء من الخدمة العسكرية مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية!! فمن المعتاد أن تكون هذه المبادرات هي من أولى خطط الترويج للانتخابات.

المهم، مع كل تلك البرامج الترويجية والقوانين الجديدة، سيكون طبعا من المنطقي جدا أن تكون نتيجة الانتخابات المقبلة لصالح فخامته، لأنه تكرم كثيرا على هذا الشعب مسنين وشبابا، ألا يحق له الحكم لعهدة ثالثة؟

أحلام اليقظة لا تصنع نصرا

حاولت عدة مرات منذ انتهاء العدوان الصهيوني على قطاع غزة أن أبحث عن صورة النصر الذي تتحدث عنه حركة حماس فلم أجدها، لم أتمكن من رؤيتها، هي صورة افتراضية توجد فقط في أحلام يقظتهم و في أذهان الشعوب المتأثرة بالخطابات الحماسية، شعوب معذورة في ذلك، ربما بسبب حبها الصادق لفلسطين وأمانيها الدائمة بتحرير الأراضي المحتلة. وهي أمنية نشترك فيها كلنا عربا ومسلمين، ومتفقون على هذا الموقف الثابت من القضية الفلسطينية منذ احتلال فلسطين سنة 1948 ومنذ بداية سنوات النكبة الـ 60.

متفقون على أن المقاومة حق مشروع لكل شعب محتل سلبت منه أرضه بالقوة، ما نختلف عليه، هو شكل تلك المقاومة، ونوعيتها، وأسالبيها، والعباءة التي تلبسها، أو اللون الذي تتلون به العباءة، نختلف عن تعريف المقاومة، هل هي مسلحة فقط؟ وهل المفاوضات هي شكل آخر من أشكال المقاومة أم هي استسلام وبيع للقضية؟

كما أن مشاعر التضامن مع أهل غزة وما حدث ويحدث معهم، أظنه أمرا مفروغا منه، ولا يمكن مناقشته، فرغم اختلافنا حول ماهية المقاومة، يبقى أمر التضامن مع أهلنا في فلسطين أمرا ثابتا وموقفا لا يتغير، وفلسطين ليست هي حماس، لذلك فانتقاد حماس لا يعني انتقاد فلسطين أو الفلسطينيين، أو عدم الوقوف معهم في محنتهم، ولا يستطيع أحدا أن يفرض علينا عدم انتقاد حماس أو تقديسها كما يفعل البعض وكأنها ظل الله في الأرض، نعم هي حركة مقاومة تدافع عن قضية عادلة نؤمن بها كلنا، لكنها حركة حسب تقديري غبية جدا وبقدر ما نؤمن بأن قضيتها عادلة، بقدر ما كانت غبية جدا في دفاعها عن تلك القضية، ومتهورة لأبعد درجة.

حركة حماس وللأسف تعاني من غباء إعلامي كبير، وتحاول من خلال تصريحاتها إقناع الناس بنصرها المحقق في حربها غير المتكافئة مع إسرائيل، أحلام يقظتنا تدور كلها حول تحقيق النصر الموعود، سواء كان انتماءنا حمساويا أو لا، لكن لا يمكن تصديق تلك الأحلام بمجرد وجودها في أذهاننا، أين هو النصر الذي تتحدث عنه حماس؟ هل سقوط أكثر من 400 طفل يعتبر نصرا؟ أو أكثر من 1300 شهيد في 20 يوما يعتبر فوزا في الحرب؟

حماس تقول بأن إسرائيل لم تحقق أهدافها من العدوان، نعم هذا صحيح، وهل حققت حماس مطالبها وأهدافها؟ هل فتحت المعابر بدون شروط؟ هل دخلت المعونات وشاحنات الغداء والدواء بدون رقابة؟ هل كسبت حماس مزيدا من التأييد والالتفاف حولها؟

حماس تقيس نصرها على نتائج الحرب التي صرحت بها، أي 48 شهيدا من مقاتليها، مقابل أكثر من 80 جنديا إسرائيليا، قد تكون أرقاما صحيحة، لكن ماذا عن الأطفال الـ 400؟ وما عن الـ 1300 شهيدا من باقي سكان قطاع غزة؟ ألا يحسبون ضمن معادلة الربح والخسارة؟ أم أنهم مجرد ضريبة حرب، والفلسطيني يجب أن يموت في مثل هذه الظروف ويكون مجرد رقم في ترمومتر الموت.

استشهد نزار ريان، وتوعدت حماس برد عنيف ولم نر شيئا، وبعده سعيد صيام، وتكرر الوعيد بالرد والنصر ولم نر شيئا، وسقط المزيد من الضحايا حتى جاوزوا الألف، واستمر الوعيد عبر التصريحات التلفزيونية، وللأسف لم نر نصرا.

خطابات الفضائيات التعبوية لا تصنع نصرا ولا تحقق فوزا، والأحلام الجهادية لا تحقق عبر إبقاءها في الأذهان والتمتع بها خلال اليقظة والنوم، ولا عبر الكلام المتناقل في وسائل الإعلام. ما فائدة الحديث حول ما يجب أن يكون في ظل عجزنا عن مواجهة ما هو كائن؟

ألا يستحق الحصار أغنية؟

فجأة، و مع ارتفاع عدد ضحايا و شهداء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ظهرت أصوات التضامن من العالم العربي و الإسلامي، شعوب و جماهير خرجت للطرقات، فنانون و مطربون عرب سجلوا أغاني وطنية تضامنية مع غزة في وقت قياسي، حتى لا يفوتهم تسجيل موقف التضامن هذا قبل انتهاء الحرب، التي كان متوقعا لها أن تتوقف قبل حفل تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما، و فعلا هذا ما حصل، توقفت الحرب قبل ذلك الحفل بأيام قليلة.

التضامن مع أهالي غزة وقت الحرب و بعدها واجب ضروري جدا، و من غير المعقول عدم حصوله، لكن ألم يكن الأولى من الشعوب و الفنانين المعلنين لحبهم لغزة و وقوفهم مع أهلها أن يكون تضامنهم معهم أيام الحصار الطويلة التي مرت عليهم بصمت و كل الناس نيام عن حجم الكارثة التي كانت تقتلهم تدريجيا و بدون أن يشعر بهم أحد.

ألم تكن أشهر الحصار القاسي الذي مر على غزة تستحق التفاف العرب حول القضية الفلسطينية و إنقاذها من الوضع الذي وصلت إليه؟
هل التضامن لا يكون إلا بعد سقوط أكثر من 300 طفل بنيران العدو و قنابله العشوائية؟

كل هذه التبرعات التي تجمع بالملايين في كل الدول العربية و الإسلامية، أين كانت وقت الحصار؟ كل هذه الدموع المتساقطة سواء صدقا أو نفاقا، لماذا لم تسقط لما كان أهل غزة يصرحون بعجز مستشفياتهم و نفاد مؤنهم؟

لو كان أهل الفن صادقون في تضمانهم، لماذا لم نر أغاني ضاربة و ناجحة و متقنة تتحدث عن غزة و تنشر قضيتها و قضية الشعب الفلسطيني؟ أم أن فلسطين لا نتذكرها إلا عندما يتم ردم أهلها تحت أنقاض منازلهم؟

أين كانت مواقف الدول العربية عندما كان الحصار ينخر الجسد الغزاوي لعدة شهور؟
لماذا لم تجمد العلاقات مع إسرائيل في ذلك الوقت؟ أم أن الأمر كان يتطلب سقوط أكثر من 1200 شهيد و 5000 جريح؟

من يدعي الإحساس بقضية فلسطين، و بحب فلسطين و التضامن معها، كان الأولى به أن يكون تضمانه أيام الحصار الظالم، يمكن لو رأينا مثل هذه المواقف التي نراها الآن في مثل تلك الشهور الماضية، ربما لكان ما حصل لم يحصل. أتحدث و ألوم هنا الكل عن تقصيره، من أصغر مواطن يخرج في تظاهرات التضامن مرورا بالفنانين المنافقين و وصولا إلى من يسمون زعماء الدول العربية.

وعود جهادية لن تتحقق

يبدو أنه يجب أن أبدأ مقالي بشتم وسب إسرائيل الظالمة والقاتلة، المجرمة والمغتصبة لحقوق الفلسطينيين وحقوق الطفل وحقوق الإنسان.

يجب أن أبدأ مقالي بهذه العبارات البديهية والمتفق عليها، حتى لا يفهم الكلام الذي سأكتبه فيما بعد على أنه لوم للضحية على حساب الجلاد.

ما أوّد طرحه وبكل بساطة هو مجرد تساؤلات عن كل تلك الوعود الجهادية والنصر المنتظر الذي طال انتظارنا لرؤيته، ولا يزال لم يحدث. لماذا كثرة الكلام بينما الكل عن الفعل والتطبيق عاجز؟ هل الجهاد هو تلك التصريحات الحماسية التي امتلأت بها الفضائيات ومواقع ومنتديات الأنترنيت؟ هل الجهاد هنا واجب في مثل هذا الوضع الذي تمر به غزة اليوم بينما حماس عاجزة عن الدفاع عن نفسها وعن غزة؟ حماس التي كانت مسيطرة على غزة بعدما أخرجت منها فتح ومن تتهمهم بالخيانة.

أعترف بعدم معرفتي الجيدة بالأمور الداخلية الفلسطينية، ولست أقف مع أي طرف، لا مع حماس، ولا مع فتح أيضا، لكن أرى بأنه من المعقول والمنطقي أنّ من يسيطر على منطقة ويحكمها يكون أهلا للدفاع عنها، وإلا فما فائدة ذلك الحكم؟

كنت أتمنى لو كان رد حماس على العدوان الإسرائيلي قويا وعنيفا، تماما مثلما تصريحاتهم الإعلامية كانت ولا تزال قوية وعنيفة. يتوعدون بالرد منذ بدء الغارات، ويا ليته لم يكن، أرى ردهم بمثابة مفرقعات عيد الميلاد وألعابه النارية.

هل يجب الجهاد على مثل هؤلاء؟ ممن يدفعون شعبهم للموت بينما هم عاجزون عن حمايته؟ أليس الواجب قبل كل ذلك هو التحضير الجيد وكما يقول الحديث النبوي الشريف “رحم الله امرءا عرف قدر نفسه”. أين هو التخطيط والعدّة التي أمر الله بها؟ العشوائية لا تصنع جهادا، ولا تحرر وطنا.

فرض الجهاد ضد العدّو المغتصب للوطن لا أحد يجادل فيه أو ينكره، لكن الوقت المناسب هو الذي يختلف عليه الجميع، وهذا وبكل صراحة ليس وقت جهاد، في ظل حركات جهادية تقول ما لا تفعل، وحكام عملاء وشعوب نائمة. ليس وقت الجهاد.

تكريس الجملوكية الجزائرية

للأسف، رغم سنوات الدم و القتل التي مرت على الجزائر، كنا ننتظر أن يبقى مكسب الديمقراطية والتداول السليم على السلطة بمثابة مثال وقدوة للعالم العربي، الذي كل دوله إما مملكة يورث الحكم فيها من الأب للابن أو الأخ، أو جمهورية لا يتغير رئيسها إلا بالموت أو الانقلاب، وقد يورث فيها الحكم أيضا للابن من خلال ما يسمى “تعديل الدستور” كما حدث في سوريا.

وكما حدث هذه الأيام بالجزائر، وإن كان رئيسها لا وارث له يرث الحكم من بعده، إلا أن تعديل الدستور كان بغرض جعله رئيسا مدى الحياة (عمره الآن 72 سنة)، وذلك من خلال جعل عدد العهدات الرئاسية مفتوحة وغير محددة.

تعديل الدستور الذي صادق عليه أغلبية النواب النائمين بنعم، تضمن تعديل مواد أخرى مثل حماية رموز الثورة، لا أدري لماذا الحماية الآن بعد 46 سنة من الاستقلال؟ وتضمن أيضا تعديلات على حقوق المرأة السياسية، ولا أدري هل سنرى لها ترجمة على أرض الواقع أو لا تلك الحقوق؟

كل هذه التعديلات كانت لزيادة العدد وحتى لا يبقى التعديل الخاص بالعهدات الرئاسية والمتعلق بالمادة 74 يتيما وحيدا.
بعد هذا التعديل وبعد أن صادق عليه نواب البرلمان المتناثرون في فنادق العاصمة، بعد هذا، انضمت الجزائر إلى قائمة الجملوكيات (الجمهوريات الملكية) العربية، بعد أن كانت الدولة العربية الوحيدة التي لا تتوفر فيها الشروط الكاملة للجملوكية.

كنا ننتظر تكريس الديمقراطية بالجزائر، ولكن ما حدث للأسف، هو تكريس لجملوكية جزائرية تحت غطاء ديمقراطية مقنعة، ويا ليتها تكون مثل سابقاتها من الجملوكيات العربية التي على الأقل استطاعت توفير الأمن لمواطنيها، الأمن هو العنصر المفقود والنادر دائما في القاموس الجزائري منذ بداية سنوات الإرهاب إلى غاية يومنا هذا ونحن نعيش في ظل ما يسمى الوئام والسلم والمصالحة، هذه المصطلحات التي عن طريقها كان يطالب بعض المتملقين أن يرشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لجائزة نوبل للسلام !!!

الرئيس بوتفليقة وبعد 9 سنوات من الحكم اعترف بفشله خلال خطابه يوم: 26/07/2008 أمام رؤساء المجالس البلدية والولائية، وأعضاء الحكومة والولاة، أظن أن من الأولى بالحاكم أو المسؤول الذي يعترف بفشله أن يترك مكانه لحاكم أو مسؤول آخر، لعلّه يفلح حيث فشل هو.

المصدر الأخير للحقيقة - في معركة حامية الوطيس -

قبل أيام، و بالضبط، في: 27 آب (أغسطس) 2008 توفي عم والدي “أحمد بوزيان” أخ شهيد الثورة الجزائرية “حسن بوزيان” الذي تسمى به بلديتي ومسقط رأسي ومكان سكني وعملي ونشاطي.

بوفاته يكون كل إخوة الشهيد قد لحقوا به بما فيهم جدي أب والدي، وقد لحقت بهم أيضا جدتي أم والدي والأم الروحية والمربية الحقيقية للشهيد “حسن بوزيان”. بوفاة كل هؤلاء أكون قد ضيعت كل فرص الحصول على الحقيقة من مصادرها أو بالأحرى الكتابة عن الحقيقة في ظل حياة مصادرها، وآخر فرصة كانت عم والدي المتوفى مؤخرا.

عودتي للكتابة جاءت متأخرة جدا، مع تمكن المرض من عم والدي الذي لم يمهله طويلا. كنت أتمنى كتابة قصة حياة الشهيد “حسن بوزيان” اعتمادا على كل هؤلاء، وما كان يهمني أكثر في الكتابة عنه ليس تمجيده، لأنه ممجد عند رب العالمين، ولا يستحق منا المهرجانات الفلكلورية التي تسترزق من أسماء الشهداء وباسم الثورة. ما يستحقه شهيد العائلة هذا وكل شهداء الجزائر هو قول الحقيقة ورواية التاريخ كما حدث.

كنت أنوي في تلك القصة عند كتابتها ذكر أمور كثيرة ليست حكرا على شهيد عائلتي فقط، وإنما هي وصف عام لموضوع هام جدا وبالغ الخطورة، موضوع الشهداء وكيفية استشهادهم، والمجاهدين الحقيقيين والمزيفين، ومنح المجاهدين وعائلات الشهداء.
بدون فخر، عائلتي رفضت استلام منحة أو أجرة أو سكن باسم الشهيد، وفعل مثلنا الكثيرون، لكن الغالبية ممن يسمون بالمجاهدين المزيفين يتقاضون منحا دورية معتبرة ولهم امتيازات كثيرة تجعل منهم مواطنين درجة أولى.

إن المقارنة البسيطة بين عدد الجزائريين غداة الاستقلال سنة 1962 و بين عدد المجاهدين الحاليين و المتوفيين بعد 1962 يجعلنا نضع علامة استفهام كبيرة حول الموضوع.
لا أدري هل يكفي عرض هذه الأرقام لمعرفة فظاعة ما يحصل وما يقترف باسم الثورة الجزائرية؟
النقطة التي كنت أنوي التوقف عندها طويلا عند كتابتي للقصة هي طريقة استشهاد عم والدي “حسن بوزيان”. والمتعارف عليه في التاريخ الجزائري و في الغالب عند سرد قصة حياة أي شهيد، وعند الوصول للمرحلة الأخيرة من حياته واستشهاده وظروف وملابسات هذا الاستشهاد، يتم ذكر العبارة التالية: “سقط الشهيد (…) في معركة حامية الوطيس”، وتتوقف هنا الجملة، لا ذكر أبدا للمكان أو المرافقين للشهيد، أو تفاصيل أخرى، وفي حالة ما إذا ذكرت أسماء الأماكن والأشخاص فتكون حسب سيناريو مضبوط يخفي حقيقة ما حصل.

قبل سنوات، فتحت الصحافة الجزائرية ملفا خطيرا جدا كان بمثابة تابو حقيقي. ملف الاغتيالات السياسية خلال الثورة الجزائرية والتصفيات الجسدية التي تمت بين زملاء ورفاق الجهاد في سبيل الوطن.
كان أجدادي (إخوة الشهيد) وجدتي أيضا يؤكدون لنا دائما أن “حسن بوزيان” استشهد خلال تأديته لواجبه المقدس اتجاه وطنه لكن برصاص الغدر وليس برصاص العدو، الرصاصة التي قتلته أصابته في قفاه، في رأسه من الخلف، وكانوا يذكرون لنا وبكل صراحة أسماء المشكوك فيهم، فالبعض منهم كانت غيرته من الشهيد واضحة جدا، وأغلبية النزهاء ببلديتي أيضا يؤكدون ذلك. لكن الملف لم يفتح أبدا ولحد الآن، والقصة بقيت تتوارد بين سكان المنطقة فقط.
أغلبية المشكوك فيهم في تلك القضية ماتوا الآن، ربما كانوا ثلاثة، أحدهم كانت ظروف وفاته بعد الاستقلال غامضة، حيث صنفت على أنها حادث عمل، والغريب أنها جاءت في الوقت الذي بدأ يراجع فيه نفسه ويميل للتوبة، وبدأ فعلا بالحديث عن قضية استشهاد رفيقهم.
مثل حوادث الاستشهاد هذه كثيرة، والدخول إليها وفتح ملفاتها ليس سهلا أبدا ولو في حضور الأدلة والإثباتات، فما بالك في غيابها، ثم أن النزهاء والمصادر الأخيرة للحقيقة تتناقص مع الأيام بعدما عزلت وكممت أفواهها.

احتكار الجنة

المستقبل للسلفية، هكذا قال الباحث المصري في شؤون الجماعات الإسلامية “حسام تمام” في حديثه مع إحدى الصحف الجزائرية، والتي نشرت لقاءا طويلا معه، قرأته باهتمام وأقنعني محتواه لما وجدت فيه من أفكار منطقية مستندة لدراسات عديدة في علم الاجتماع الديني، ومن معطيات واقعية أعرفها جيدا من خلال معايشتي ككل الجزائريين للمد السفلي المتنامي بطريقة مخيفة جدا، أصبحت تعرقلنا في أبسط أمور حياتنا من خلال فتاوى غريبة تكاد تحرم علينا كل شيء وتفرض في مضمونها نموذجا غريبا للتدين تقدمه لنا على أنه الطريق الوحيد للدخول للجنة والخلاص من النار.

إن استشراف “حسام تمام” يجعل أي إنسان متعلم أو أمي يؤمن بحرية الفكر والرأي والمعتقد يخاف ويتغير ضغط دمه. إن تحقق هذا الاستشراف في المستقبل، يعني أننا سنعيش المزيد من احتكار الأفكار والحقيقة، وأن المستقبل سيكون لفئة كبيرة تحتكر الجنة لها فقط، ستكون هي الأكثرية، بينما المخالفون لها سيكونون أقلية إن كتبت لهم الحياة في ظل السلفية.

انتشار الإسلام في العالم وزيادة عدد معتنقيه يفرح أي مسلم طبيعي، لكن ما يحدث الآن هو زيادة المد الأصولي وتكاثر أفكار التشدد، والمؤسف حقا هو أن المعتنقين الجدد للإسلام يدخلونه من باب السلفية التي لا أرى فيها خيرا، سواء علمية، أو إصلاحية حركية، أو جهادية، لأنها كلها وإن كان بينها خلاف وصراع تتفق في نقاط جوهرية أهما رفض الآخر التي تراه ضالا محترقا في النار لا محالة، إضافة إلى مشكل رؤيتها للعالم وتقسيمه إلى دار إسلام ودار حرب، ورفضها للدولة الحديثة في شكلها الحالي.

والجزائر مرت بعشرية قاسية جدا بسبب التطرف الديني الذي كان يلبس آذاك عباءة الإخوان المسلمين، واليوم أصبحت دماء الجزائريين تسفك باسم السلفية، سلفية جهادية تخطت السلفية العلمية والحركية المهتمتان بالتكفير النظري إلى التطبيق على أرض الواقع و تنفيذ الجهاد ضد من يخالفونهم.

كنت أتمنى لو قرأت استشرافا أكثر تفاءلا يكون فيه المستقبل للحرية وحدها، وليس استشرافا ينذر بقدوم رياح السلفية ترقبا للعاصفة.

إرهابيو الأمس نجوم اليوم

خلال متابعتي لتحليلات المختصين المتعلقة بالعملية الانتحارية الإرهابية الأخيرة بالجزائر والتي راح ضحيتها حوالي 43 قتيلا و45 جريحا أغلبهم من الطلبة المترشحين لإجراء مسابقة الانضمام لمدرسة الدرك الوطني بمدينة “يسر” بولاية “بومرداس”، خلال متابعتي تلك، أعجبني كلام المحلل السياسي الجزائري “أحمد كنيوة” الذي أنكر على الصحافة الجزائرية الخاصة فتح صفحاتها لإرهابيين تائبين وقيادييين إسلاميين، بالأمس فقط كانوا مشاركين مباشرين في التأطير لعمليات القتل والذبح، واليوم يطلون علينا بتصريحات كثيرة وغريبة لا تساهم أبدا في تحسين الوضع، بل تزيد من حدة التوتر.

إن رفض أغلبية أولئك القياديين والتائبين التصريح بآراء واضحة اتجاه ما يحدث الآن بالجزائر، يجعل من سلبيتهم تلك بمثابة المساند الكبير لأعمال القتل المستمرة والتي ينفذها إرهابيون لم يحن وقت توبتهم بعد.
لقد جعلت الصحافة الجزائرية الخاصة منهم نجوما وخصصت لهم الصفحات لنشر كلامهم الذي أجد فيه جرأة كبيرة تستشعر منها عدم خجلهم مما ارتكبوه من قبل.

لست ضد التوبة، لكن التائب من ذنب معين من المفروض أن يكون حييا ومتحفظا، أما أن يكون شامخ الرأس جريئا وبدون أن يعتذر عما سبق أو حتى يشارك في بعث كلمة طيبة تؤثر في زملاءه وأتباعه ممن لا زالوا يحترفون القتل والموت، فهذا ما يجعلني أتساءل فعلا عن عشوائية التوبة.

والصحافة الجزائرية الخاصة التي يقال عنها مستقلة، وجدت في تصريحات المؤطرين السابقين للإرهاب مصدر رزق مربح، خاصة وأنها (التصريحات) تستفز أطرافا أخرى لنشر ردود قد تكون مستفزة أكثر ومفيدة جدا لزيادة نسبة مقروئية الجريدة، وهي ليست المرة الأولى التي تسترزق فيها الصحافة الجزائرية الخاصة من مواضيع كهذه تتعلق بالإنسان الجزائري الضحية الأولى والأخيرة لهذه الأعمال.

ربما نفس النقد الموجه من قبل لقناة الجزيرة بسبب مبالغتها في المسارعة للضفر بأي سبق صحفي مع شيوخ القتل بأفغانستان، يمكن أن نوجهه لبعض الصحف الجزائرية الخاصة من خلال سعيها لنشر لقاءاتها مع القياديين السابقين والإرهابيين التائبين كسبق صحفي دون مراعاتها إمكانية تحولها بسبب ذلك لناطق رسمي باسم تلك الجهات، أو على الأقل يصبح التعامل معها على أساس أنها تميل لذلك الاتجاه، ولا تحترم ضحاياه.