ارحمونا من جلالته وفخامته

في الوطن العربي، لا تقام أي تظاهرة كبيرة أو صغيرة، إلا برعاية الملك أو الرئيس، كل الإعلانات التي تروج لتلك التظاهرات مكتوب عليها عبارة “تحت رعاية جلالة الملك..” أو “تحت رعاية فخامة الرئيس..”

جلالته أو فخامته لهم الفضل في رعاية التظاهرات والاحتفالات السياسة، والاقتصادية والاجتماعية، والخيرية، وخاصة هذه الأخيرة، التي يبدو أنها لن تكون أبدا بدون تدخل أصحاب الجلالة والفخامة، وكأنهم هم من جاءوا بالخير للدنيا، وكأن الخير لن يظهر للوجود ولن يشمل الضعفاء والمساكين من دون رعاية الحكام.

أصبحت أشعر بالاشمئزاز من تلك البرامج التلفزيونية التي تنجز للترويج لفخامته وجلالته، حيث تحاول إقناعنا بأنه لو لم يتدخل حاكم تلك الدولة أو المملكة لما تمكن ذلك المريض أو المعاق من العلاج. فتارة يقولون لنا بأن جلالته أو فخامته أرجع البصر لأعين طفل فقير، وتارة أخرى أنه أنقذ عائلة بأكملها من العراء وأرجع لها كرامتها، وكل هذا من خزينة الدولة والتي من المفروض أن يعم خيرها على جميع أفراد المجتمع من دون تدخل استثنائي من أصحاب الفخامة والجلالة.

لماذا تكون مليمات وسنتيمات تلك الخزينة حكرا فقط على الحالات التي يتطرق لها الإعلام لغرض التملق للحاكم ومدحه كما كان ولازال يفعل بعض الفنانين والشعراء؟

أليس من المنطقي أن الدولة أو المملكة إذا دخل الخير إلى خزائنها أن يعم ذلك الخير كل المواطنين وأفراد الشعب؟

لا أتحدث هنا عن اشتراكية مثالية، ولا أطالب بتوزيع ريع وأرباح النفط على كل فرد من الشعب كما فعل القذافي أو يقولون أنه سيفعل، كل ما أنوي الوصول إليه، هو أنه من الغريب أن نرى عائلات تتضور جوعا أو مريضا يموت بسبب عجزه عن توفير تكاليف العلاج في دولة أو مملكة خزائنها ممتلئة وحكامها يتباهون أمام المجتمع الدولي بزيادة الدخل السنوي وارتفاع معدل التنمية بها.

في الجزائر مثلا، قوانين الحماية الاجتماعية الخاصة بالفئات المحرومة وبالمعاقين والمرضى أعتبرها قوانين مشوهة، فيها ظلم واستهزاء كبير بتلك الفئات، أليس الأجدر أن تعدّل تلك القوانين حتى نرحم المواطن من اللجوء إلى استجداء الجمعيات الخيرية والمساجد، أو اللجوء للصحافة المكتوبة لعرض تسوله، لماذا ينتظر وزير التضامن الوطني دائما نشر تلك الطلبات الملحة والمستعجلة على صفحات الجرائد ليتدخل بعدها كأبطال الأفلام الخيالية وينتشل صاحب المشكلة مما هو فيه، والمحزن أن ذلك التدخل أحيانا يكون تدخلا افتراضيا، ولا يتحقق على أرض الواقع ويبقى مجرد حبر على ورق الجرائد.

لا نريد بطولات وهمية لحكامنا ووزراءنا في الصحف والقنوات الفضائية، نريد تعديلا منصفا للقوانين الظالمة، تعديلا لقوانين الصحة والضمان الاجتماعي، وقوانين المعاقين والفئات المحرومة، قوانين تضمن تكافئ الفرص في الحصول على منصب عمل، أم أن الشاب البطال هو الآخر يحتاج لمحاولة انتحار أو تجريب الهجرة غير الشرعية للحصول على منصب عمل.

حلم آخر أختم به كالمعتاد، أحلم بقوانين عادلة تغنينا عن التدخلات الاستثنائية للحكام والبطولات الوهمية لجلالته وفخامته.

0 تعليقــات:

إرسال تعليق

free counters

عن المدونة

مقالات الكاتب و الناشط في مجال الأعمال الخيرية و الإنسانية جمال الدين بوزيان