استيراد الحلول

الحديث عن العالم الثالث و نهضته و مشاكله لا يجب أن يكون بعيدا عن تخصص علم اجتماع التنمية و نظرياته، القديمة و الجديدة بما فيها نظرية التبعية و نظرية التحديث، لذلك أترك الخوض في هذا المجال لذوي الاختصاص من أساتذة و باحثين في علم الاجتماع، لأنهم الأقدر و الأجدر على الخوض فيه و الإفادة بما لا يمكن لأحد غيرهم من باقي التخصصات الاجتماعية و الإنسانية.

عن رأيي البسيط و المتواضع حول هذا الموضوع، أستطيع أن أضع له عنوانا بارزا يتركز حول استقدام الحلول الجاهزة لمعالجة مشاكل العالم الثالث، حلول قد تكون نجحت أو فشلت من قبل في دول و مجتمعات أخرى، مختلفة تماما عن دول و مجتمعات العالم الثالث الحالي، الحلول و البرامج المطبوخة سابقا في دولة أخرى بناءا على خصوصياتها الثقافية و الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية و الجغرافية و المناخية، للأسف يتم استقدام هذه البرامج التنموية و تطبيقها بسذاجة و بدون أدنى اعتبار لكل تلك الخصوصيات. فكل مجتمع و بكل بساطة له خصوصياته و ما يصلح للنهوض به، و لا توجد مسلمات و بديهيات في هذا المجال، لماذا نستنسخ إذا الحلول كما هي بدون تغيير؟ لماذا لا يتم تشجيع البحث العلمي الحقيقي، و الأخذ بعين الاعتبار نتائج البحوث، و استغلالها في إنشاء برامج تنموية خاصة و محلية؟

إن الفشل المتكرر لعدد من البرامج التنموية المتبعة في دول العالم الثالث يؤدي بنا إلى شبه قناعة بعدم وجود رغبة حقيقية لدى أصحاب القرار للنهوض بمجتمعاتهم، و أن الوضعية الحالية هي المناسبة لهم.

كما أن الفساد و تفشي الرشوة و الاختلاسات و الواسطة و المحسوبية و عدم تكافئ الفرص و غياب العادلة الاجتماعية، كلها أمور تعرقل أي برنامج تنموي سواء على المدى القريب أو البعيد، مما يبقي على مشاكل الفقر و البطالة و السكن و تدني الأجور، و يبقي على إنسان العالم الثالث بعيدا عن الحياة الطبيعية الجميلة التي يحياها إنسان العالم المتقدم، و بالتالي يصبح الوصول إلى الضفة الأخرى من العالم هو أقوى حلم لدى أغلب سكان العالم الثالث، فتتعدد طرق و أشكال الهجرة الشرعية و غير الشرعية.

و كما نرى دائما، فإن المهاجرين ينقلون أشكال حياة العالم الثالث إلى العالم المتطور، مع أن نسبة كبيرة من هؤلاء المهاجرين اندمجت في الحياة بالمجتمعات المتقدمة من الناحية المادية و الثقافية.

العالم الثالث اليوم، هو عبارة عن مجتمعات لا زراعية و لا صناعية، لا هو قادر على توفير اكتفاء زراعي و غذائي، و لا هو قادر على اللحاق بالصناعة كما في الدول المتقدمة، هو الآن خليط لسياسات و برامج متراكمة و متعاقبة، فاشلة طبعا.

إن النهضة الحقيقية و الطبيعية لأي دولة و مجتمع تكون في كل المجالات، العلمية و الثقافية، الاقتصادية و الاجتماعية، و السياسية، حيث تسود الديمقراطية و حرية الرأي و التعبير و الاعتقاد، و الرفاهية المالية و الاقتصادية، و التماسك الاجتماعي، و الحركية الثقافية، و يكون هذا عبر تطبيق برامج فعالة و مناسبة في كل مجال من هذه المجالات و عبر تخطيط صحيح لكل، و في ظل وجود إرادة صادقة و تطبيق و جهد متواصل، و لكن في الغالب و حسب ما يحدث دائما، فإن نهضة الدول و المجتمعات لا تسير بنفس الوتيرة في كل المجالات، فقد يحدث أن يطغى الجانب الاقتصادي مثلا على باقي الجوانب، أو أي مجال على حساب مجال آخر، و لكنها في الأخير كلها مترابطة و يجر بعضها بعضا.

للأسف، في العالم الثالث لم يطغ أي جانب، و لم نر بروز النهضة في أي مجال، باستثناء بعض الأمثلة و التجارب الخاصة و التي لا يمكن التعميم بسببها.


( نُشر في مجلة "المسار" الجامعية - جامعة السلطان قابوس - سلطنة عمان)

0 تعليقــات:

إرسال تعليق

free counters

عن المدونة

مقالات الكاتب و الناشط في مجال الأعمال الخيرية و الإنسانية جمال الدين بوزيان