ما يجب أن يقال عن العنوسة

العنوسة هي موضوع إحدى حلقات برنامج “أحمر بالخط العريض” و التي تم عرضها يوم 19 نوفمبر 2008 على قناة LBC، و كانت كالعادة من تقديم الإعلامي المتميز “مالك مكتبي” الذي لم أفهم لماذا عرض فكرة العنوسة بتلك الصورة؟ و تفادى التركيز على أهم عامل مسبب لها في كل المجتمعات العربية، و هو العامل الاقتصادي.

فالفقر و البطالة و أزمة السكن هي أهم أسباب انتشار ظاهرة العنوسة في الوطن العربي، و بعدها تأتي باقي الأسباب التي لا يمكن تجاهلها و لا نكرانها مثل زيادة نسبة المتعلمين و خاصة الجامعيين، و تأخر نسبة الزواج بسبب الدراسة، و التغيير الاجتماعي الكبير الذي حدث في مجتمعاتنا، فشكل الأسرة تغير، و كذلك طريقة الزواج و طريقة اختيار الشريك و مقاييس الاختيار، و انحصار الزواج التقليدي و زواج الأقارب، و انتشار أفكار التمدن و التحرر، إضافة إلى أسباب خاصة بكل حالة لا يمكن تعميمها…

لكن يبدو أن البرنامج ركز على هذه الحالات الخاصة و تفادى الوقوف عند الأسباب الكبيرة و المشتركة بين أغلب عوانس و عزاب العالم العربي.

ارتفاع تكاليف الزواج لم يذكرها أحد، بل تم عرض و مناقشة حالات اجتماعية مؤثرة و جديرة بالاهتمام لكنها حالات فردية غير متكررة كثيرا مقارنة بحالات العنوسة التي كان السبب الرئيسي فيها هو الإمكانيات المادية.

و يبدو أن خصوصية تلك الحالات الفردية هي التي جعلتها محل انتباه إعلامي و مادة تلفزيونية دسمة و صالحة أكثر من غيرها للعرض بالبرنامج و دغدغة مشاعر المشاهد من خلالها.

كما أن اتهام المغنيات اللبنانيات أمثال “هيفاء وهبي” و “نانسي عجرم” بزيادة نسبة العنوسة يعتبر نكتة غير مضحكة، لقد أصبحت هيفا هي الشماعة التي يضع عليها العرب كل مشاكلهم، و بقدر ما يجمّل المروجون لها لجمالها و غناءها و عريها، بقدر ما يبالغ المعارضون لها في نسب كل شيء قبيح لها.

الإعلام و الفن بصفة عامة و ما يقدمه من نماذج للمرأة، يلعب دورا كبيرا في رسم صورة المرأة المطلوبة و المثالية في ذهن الرجل العربي، لكن هذا أراه سببا لخيانة الزوج العربي لزوجته، و ليس سببا لعزوفه عن الزواج.

المجتمعات العربية لا تزال تقدس الزواج كسبيل وحيد و طبيعي و شرعي لارتباط الجنسين، و إن كانت الحياة الزوجية لم تعد مقدسة كثيرا بسبب ارتفاع نسبة الخيانة الزوجية، و التي أعتبرها ظاهرة مخيفة و خطيرة كما العنوسة تماما.

نحن لسنا كالغرب، رغم أننا نشبهه في تفاقم ظواهر العنوسة و الخيانة الزوجية و المثلية الجنسية و البيدوفيلي، إلا أن الزواج لا يزال يحافظ على قيمته الدينية و الاجتماعية دائما، و أغلب النساء العوانس لسنا كذلك بإرادتهن أو لأنهن متحررات و يفضلن العيش مع الكلاب و القطط عوض الرجال. النماذج التي تم عرضها لا تمثل كثيرا المرأة العربية العادية (العانس طبعا)، و إن كنت أعرف شخصيا مثيلاتهن كالطبيبات و الأستاذات الجامعيات من اللائي يضعن شروطا خاصة للزواج و لمواصفات الشريك و يرفضن سيطرة الرجل، بالجزائر مثلا، نسبة العنوسة بين الأميات و النساء ذوات المستوى العلمي المتواضع أكبر منها عند المتعلمات، لأن المتعلمة في الغالب هي امرأة عاملة، و بالتالي هي بمثابة دعم مادي لزوجها، و بالتالي فهي مقصودة و مطلوبة للزواج أكثر من غيرها.

الحديث عن العنوسة طويل، و لا ينتهي هنا، لكن أي حديث عن الظاهرة يجب أن يكون غير بعيد عن العامل الاقتصادي، المسبب الأول لها.

0 تعليقــات:

إرسال تعليق

free counters

عن المدونة

مقالات الكاتب و الناشط في مجال الأعمال الخيرية و الإنسانية جمال الدين بوزيان