الحب بدون نظرة

هناك الحب من أول نظرة، وفي مسلسل باب الحارة يوجد الحب بدون نظرة، حيث شاهدنا معتز يسهر الليالي باكياً على حبه الضائع خيرية، على فتاة لا يعرف منها إلا اسمها، ولن يراها أبدا إذا لم يتم زواجه بها.

وشاهدنا أيضاً عقيد الحارة أبوشهاب ينهر أخته سعاد التي وصفت له ملامح وجه خطيبته شريفة قبل أن يتزوجها.
وشاهدنا كذلك بهذه الحارة الشهيرة كيف تكون الرشوة حلالاً متداولاً بين جميع الناس، بينما رؤية وجه المرأة من أشد المحرمات والممنوعات. المسلسل كما أراه، ورغم جودة انجازه، ومتعة مشاهدته، وصدى شهرته، أراه يروج لأفكار قديمة متجدِّدة ظالمة للمرأة ولحرية الإنسان عموماً. واللوم ربما لا يقع على الكاتب بقدر ما يكون موجهاً للجمهور الذي يتعامل مع مواضيع المسلسلات بطريقة مثالية وكأنها الجمهورية الفاضلة.

إذا كان غرض كاتب هذا العمل الدرامي الناجح هو إبراز الحياة الاجتماعية بالشام في تلك الفترة الزمنية بكل تفاصيلها الصغيرة من خلال حياة سكان الحارة، فلا يجب على المشاهد أن يتعامل مع ذلك النمط من المعيشة على أنه هو الأصل وهو ما يجب أن يكون، ولا يجب النظر إلى حياتنا الحالية على أنها انحراف لنموذج الحياة بالحارة.

خلال متابعتي للمسلسل تستفزني مظاهر التشدد والتسلط التي جعل منها الكاتب والمخرج وجبة شهية وممتعة ننتظرها كل يوم مقدمة لنا من طرف نجوم سوريا المميزين.

ما يزعجني في كل هذا هو أن ما يعرضه المسلسل على أنه وصف لحالة مجتمع في فترة ماضية، يتعامل معه الناس على أنه إقرار لما بقي وما ورثوه في عقولهم من أفكار رجعية متشددة، وحتى أبطال العمل أنفسهم خلال حضورهم حفلاً تكريمياً منذ أيام بمناسبة عرض الجزء الثالث منه، صرحوا بأن قصة المسلسل هي رجوع لقيم جميلة مثل الشهامة والبساطة والتكافل…، ونسي هؤلاء النجوم أن العمل أيضا دعوة للتشدد بالمقابل.

إذا أخذنا كل القيم الموجودة بالمسلسل، لا يمكن أن نغفل كمية الجرعات الدينية والرتوشات الرجعية بالعمل، والتي يمكن أن يتعامل معها الجمهور على أنها أيضا قيم جميلة يجب أن تعود، لأن شخصيات العمل الطيبة والرئيسية لا تنكر تلك الأمور وتتعاطاها كما لو كانت مقدسات لا يمكن العيش بدونها.

0 تعليقــات:

إرسال تعليق

free counters

عن المدونة

مقالات الكاتب و الناشط في مجال الأعمال الخيرية و الإنسانية جمال الدين بوزيان