التقليد بالخط العريض

في ميدان البرامج التلفزيونية، الأفكار تأتينا دائما من الغرب، هم بارعون في ابتكار البرامج المتنوعة و خلق أشكال مختلفة للإبداع التلفزيوني، و نحن متفوقون في شراء حقوق البث و الملكية، و استنساخ صور جميلة أحيانا و مشوهة أحيانا كثيرة عن تلك البرامج التي حتما هي جميلة في نسخها الأصلية، لأنها تكون متوافقة في الغالب مع طبيعة المجتمع الذي وجدت فيه و ظهرت من أجل أن تقدم لجمهوره، و لأن المشرف عليها مباشرة هو مبتكرها.

برامج التوك شو مثلا على طريقة أوبرا وينفري أو تايرا بانكس، رغم محاولات تقليدها عربيا إلا أنها كلها باءت بالفشل، برنامج ستار أكاديمي رغم الملايين التي دخلت جيوب منتجيه، إلا أنه عجز عن تخريج أصوات غنائية حقيقية إلا القليل جدا منها، على عكس النسخ الغربية من البرنامج نفسه.

برنامج أحمر بالخط العريض، هو بذاته يعاني من خطوط حمراء لا يجب تجاوزها، يفتقر إلى الجرأة الكافية الموجودة بالنسخ الغربية للبرنامج، هل يستطيع في نسخته العربية أن يطرح قضايا و مشاكل سياسية حقيقية انعكست على الفرد و المجتمع؟ و هل يستطيع أن يسمي دولا و أشخاصا معينين بأسمائهم؟ لماذا التركيز دائما على الدعارة و المثلية الجنسية التي أصبحت أغلب البرامج تتعمد مناقشتها لكي تكتسب صفة الجرأة و تلفت لها الأنظار.

التقليد في حد ذاته يكون مشوها أحيانا، و يجعلك تترحم على نسخه الأصلية التي تعتبر إبداعا حقيقيا.

كل تلك الأموال الطائلة المسخرة من طرف العرب لقنواتهم الفضائية لم تتمكن من خلق برنامج ناجح يكون عربي المنشئ و الأصل، و المضمون أيضا.

هل عجزت ملايين الدولارات العربية المتداولة في الإعلام المرئي من العثور على عقل عربي مبتكر و تحفيز روح الإبداع فيه؟

لا أنكر أن بعض البرامج الغربية في نسخها العربية كانت ناجحة و مناسبة أيضا للجمهور العربي، لكن إلى متى التقليد؟ و هل النجاح مضمون فقط عندما تكون الفكرة مستوردة من برنامج عالمي شهير؟

لماذا الخوف من المغامرة بإنتاج برنامج كبير بفكرة محلية مبتكرة عربيا؟

لا أظن أن كل هذه الكفاءات الإعلامية العربية الظاهرة لنا و المخفية تعجز عن طرح أفكار جديدة لمواضيع تكون خاصة بنا، لماذا لا نبيع نحن حقوق البث للآخر، و يستنسخ هو من عندنا؟

إن نفس المنهج المتبع في الإعلام التلفزيوني و برامجه، هو ذاته المتبع في عملية التنمية بالمنطقة العربية عامة و الخليج خاصة، حيث الأموال تقوم باستقدام الكفاءات الأجنبية و استنساخ الأفكار و عمل ما يسمى "نسخ - لصق" لناطحات السحاب و كل مظاهر التطور الأخرى.

0 تعليقــات:

إرسال تعليق

free counters

عن المدونة

مقالات الكاتب و الناشط في مجال الأعمال الخيرية و الإنسانية جمال الدين بوزيان