لا تخلو السينما الهندية التي تنتج أكثر من ألف فيلم سنوياً من أفلام كثيرة تناولت الإسلام، والمسلمين، سواء كمواضيع رئيسية للقصة، أو مجرد إشاراتٍ، وتلميحاتٍ جانبية تبرز أثناء متابعة الفيلم من خلال شخصياتٍ ثانوية. ولا غرابة في ذلك، فالمسلمون في الهند يشكلون حوالي 15% من مجموع السكان، أي أكثر من 140 مليون مسلم، والإسلام هو الديانة الثانية في الهند بعد الهندوسية التي يعتنقها حوالي 75% من السكان.
وبوليوود سينما جماهيرية من الدرجة الأولى، يشاهدها حوالي 5 مليون مشاهد يومياً، تمتلك تأثيراً كبيراً على قناعات المشاهدين، وإن بدت من الوهلة الأولى سينما ساذجة، وسطحية، مواضيعها كوميدية استعراضية متكررة لا جديد فيها.
تعتمد أفلام بوليوود كثيراً على دغدغة مشاعر المشاهدين، ومخاطبة العاطفة، واللعب على أوتار حساسة لدى المتلقي، مثل محاربة الظلم، والدفاع عن المظلوم، والمناداة بالحرية، وقداسة الأم، والأسرة، والأرض، هي أفلام تجارية عمودها الفقري الغناء، والاستعراض.
ربما تكون بوليوود بعيدة عن عمق المجتمع الهندي، ولكنها تعكس بعض ما فيه من تناقضات تمثل أفكار، وإيديولوجيات مؤلفين يكتبون قصصاً سينمائية ساذجة، ولكنها غير حيادية، ومشبعة بالقضايا الشائكة، والرسائل الخطيرة.
على الرغم من إدعاء أهل الفن السينمائي الهندي بالعلمانية، وعدم الانتماء العرقي، والديني، ولكن يبدو بأن الذاتية، والإيديولوجية، والتعصب للدين لا يمكن لبوليوود أن تتخلى عنها بصفة نهائية.
ويمكن ملاحظة ذلك من خلال مشاهدة عابرة لبعض الأفلام الهندية التي كان الإسلام فيها موضوعاً رئيسياً للقصة.
وللأسف، بعد متابعةٍ طويلة لعدد لا بأس به من هذه الأفلام، وجدت فيها عداءً كثيراً للإسلام، وعرضاً مشوّها لصورة المسلمين، وخلطاً متعمداً، وغير متعمد بين مفاهيم كثيرة، وتحريفاً واضحاً لحقائق، وحوادث من المفترض بأن الكتب التاريخية قد فصلت فيها.
صراع قديم متجدد
المُطلع على صفحات الصراع القديم بين الهند وباكستان، سوف يجد أكثر من نصف الإجابة على السؤال التالي: لماذا صورة الإسلام مشوّهة في أغلب الأفلام الهندية ؟
العلاقات بين الدولتين متوترة منذ حرب 1947 عند انفصال باكستان عن الهند، سجلهما حافلٌ بالمواجهات السياسية، والعسكرية الدائرة في الحدود الغربية للهند مع باكستان، في إقليم “كشمير” تحديداً، المنطقة المُتنازع عليها، ويبدو بأن حلها لن يكون غداً.
خلال سنة 1947، ظهرت هجرة واسعة لمسلمي الهند نحو باكستان، وبالمقابل هاجر الهندوس من باكستان إلى الهند، وكانت كشمير ذات غالبية مسلمة (82% من السكان مسلمون)، وحسب قانون استقلال الهند آنذاك، والذي وضعته بريطانيا، كان من المفترض أن تنضم كشمير إلى باكستان بما أنها ذات غالبية مسلمة، لكن الهند ضربت بهذا القانون عرض الحائط، وأرادت ضم كشمير إليها، فتمرد مسلمو المنطقة المتنازع عليها، وارتكبت في حقهم مذابح راح ضحيتها قرابة 100 ألف مسلم على عكس ما تُروج له السينما الهندية.
عرفت الدولتان فيما بعد حربين عام 1965 و1971، ولكن منذ اتفاقية 1972 التي تنصّ على أن كشمير منطقة متنازع عليها، دخلت الهند، وباكستان في هدنة متذبذبة إلى غاية تزوير انتخابات 1987 التي كانت سبباً رئيسياً لظهور جماعات إسلامية انفصالية مسلحة تدعو لاستقلال كشمير، ومثل كلّ التنظيمات الإسلامية المسلحة، فإن تلك الجماعات الإسلامية الكشميرية زادت من الكراهية اتجاه الإسلام، والمسلمين بالمنطقة، وأبعدت الناس كثيرا عن رؤية الحق الواضح في قضية إقليم كشمير.
ولستُ هنا بصدد إطلاق الحكم على كلا الطرفين، أو الفصل بينهما، لكن الشيء الأكيد، أن عدد الضحايا الذين سقطوا طيلة التاريخ الدموي المشترك بين الدولتين، خلق عداءً متبادلاً، ومستمراً بين المسلمين، والهندوس داخل الهند نفسها، وبوليوود هي أفضل انعكاس لهذا العداء في أغلب أفلامها.
خمس أفلام، والصورة واحدة
فيما يلي عرضاً سريعاً لخمس أفلامٍ هندية أنتجت في السنوات القليلة الماضية، تشترك كلها في الصورة التي ظهر بها المسلمون في الفيلم، هي مجرد نماذج لمجموعة كبيرة من أفلام أخرى لا يتسع المجال هنا لذكرها كلها، كما أنه من المُنصف لتلك الأفلام بأن تخصص لها مقالاتٍ نقدية منفردة، كلّ فيلم على حدا.
مهمة في كشمير
Mission Kashmir
تدور أحداث الفيلم حول ضابط شرطة هندوسي (Sanjay Dutt) وزوجته يعيشان في كشمير، يفتي انفصاليّ مسلم بعدم التعامل مع غير المسلمين، وبالتالي، لا يستطيع الضابط معالجة ابنه من حادثة طارئة أصابته عند طبيبٍ مسلم في المنطقة، فيتوفى الطفل، وينتقم والده الضابط من عائلة الانفصالي، ويبيدهم كلهم ماعدا طفل صغير منهم اسمه “ألطاف” تتبناه زوجة الضابط الهندوسي.
يكبر الطفل المسلم (Hrithik Roshan)، ويكتشف هوية قاتل عائلته، فيتفق مع إرهابي مسلم (Jackie Shroff) على الانتقام، ويستغل الوضع لسكب الزيت على النار، وزرع المزيد من التوتر في المنطقة، لكن “ألطاف” يشفى أخيراً من مرض الانتقام الذي يسكنه، ويرفض بأن يكون أداةً في يد الانفصاليين، ويقف ضدهم، وبمساعدة الضابط الهندوسي التي تبناه.
ومع أن الفيلم يبرز كلا الطرفين (المسلمين، والهنود) قتلة، ودمويين، إلا أن بداية الظلم، والقتل، والعدوان كانت من الطرف المسلم الذي يكن الحقد للهندوس.
لم يدخر الفيلم جهداً للتأكيد على طبيعة شخصية المسلم العدوانية، والمتطرفة، وعلى استحالة تعايشه بسلامٍ مع الآخر.
إنتاج: Vidhu Vinod Chopra و Vir Chopra – سنة 2000
إخراج: Vidhu Vinod Chopra
بطولة: Sanjay Dutt، Jackie Shroff، Preity Zinta، Hrithik Roshan
0 تعليقــات:
إرسال تعليق