هدية لشيماء في عيد ميلادها

في مستشفيات العزة و الكرامة الموعودة، قد ينال الأطفال هدايا استثنائية بمناسبة أعياد ميلادهم، تماما مثلما حصل مع الطفلة الجزائرية شيماء ريحان ذات الأربع سنوات، و التي دخلت سليمة إلى مستشفى مدينة سطيف الجامعي، لا تشكو من شيء إلا من التهاب اللوزتين، و كان وضعها يستدعي عملية نزع بسيطة و خفيفة و قصيرة المدة و سهلة، لكن ما حدث لها بعد العملية كان معاكسا تماما لما يكون عليه المرضى في العادة بعد مثل تلك العمليات، بل عانت و تعاني شيماء من مضاعفات كبيرة لا تحدث حتى مع المرضى أصحاب العمليات الجراحية المعقدة.
بعد العملية الجراحية المشؤومة تلك، كانت تبدو على المسكينة شيماء بوادر واضحة تقول لكل الطاقم الطبي بأن العملية لم تنجح، و بأن الوضع غير مطمئن، كانت تبدو عليها علامات حالة غير طبيعية، لكنهم لم يفعلوا شيئا، لم يكترثوا، بل حتى الطبيب المسؤول عن المصلحة و عن العملية غادر إلى الخارج دون أن يكلف نفسه البقاء لحين الاطمئنان على حالة مريضته التي كانت تعاني من نزيف أوصل الدم لرئتيها و جعلها شبه جثة، تعاني الشلل الكامل و العمى.
المؤسف في الأمر و ما زاد من تأزم حالة شيماء و زيادة معاناة عائلتها هو أن كل الأبواب أغلقت أمامهم و كأن كل المؤسسات التي لجئوا إليها متفقة على ظلم هذه الطفلة و عائلتها. بدءا بمصلحة الأنف و الأذن و الحنجرة بمستشفى سطيف الجامعي، و التي رفض الطاقم الطبي بها تسليم عائلة الطفلة أي تقرير طبي مفصل عن وضعيتها يسمح لهم بنقلها إلى مستشفى آخر أكثر كفاءة و أكثر رحمة. و مرورا بكل المديريات و مؤسسات الدولة التي راسلها والد الطفلة البريئة دون جدوى و دون وصول رد و لو بالرفض، و وصولا عند المحكمة التي يبدو أنها من النادر أن تقف في صف مريض مظلوم أو مواطن يبحث عن كرامة ضائعة بين جدران المستشفيات.
اليوم، 14 ماي 2010، تكمل شيماء ريحان عامها الرابع و هي طريحة الفراش لا يمكن لها رؤية الهدايا التي يقدمها لها أهلها، لكنها حتما تشعر جيدا بالهدية المميزة جدا و التي أهداها لها الطاقم الطبي المشرف على عمليتها، هدية تشعر بثقلها جيدا و تتعايش معها مرغمة، هي هدية حتمية و متوقعة قد تقدم لأي داخل للمستشفى، هدية يصر مقدموها على أن تبقى ملازمة لشيماء لحين تدخل وزير الصحة أو رئيس الجمهورية ربما، أم أن وضع الطفلة شيماء ريحان لا يحركهما؟ بينما حرك مشاعر أكثر من ألف فايسبوكي من مختلف الجنسيات.

صور جديدة للطفلة شيماء ريحان و معاناتها







صور شيماء ريحان قبل و بعد العملية






































شيماء ريحان هي طفلة جزائرية من ولاية سطيف تبلغ من العمر 4 سنوات، دخلت للمستشفى ليوم واحد من أجل استئصال اللوزتين، و لكن بسبب الأخطاء الطبية المرتكبة في حقها من طرف الطاقم الطبي، أصبحت الآن مشلولة و مكفوفة، و هي على هذه الحالة منذ أكثر من شهر، و قد تم التخلص منها من طرف مستشفى سطيف الجامعي و تم نقلها إلى مركز إعادة التأهيل لبلدية راس الماء، و هي في حاجة أصلا إلى العلاج الحقيقي و بعدها تأتي مرحلة إعادة التأهيل.

المستشفى من الاول يمارس إرهابه على الطفلة و عائلتها، حيث رفض الأطباء إعطاء والد الطفلة شيماء أي وثيقة أو تقرير طبي مفصل يشرح حالتها و يسمح له بنقلها إلى مستشفيات العاصمة الجزائرية أو مستشفيات بالخارج

رغم رفعه لقضية على المستشفى، إلا أن المحكمة حسب ما يبدو لا تريد الوقوف في صف الطفلة المريضة، و هي الاخرى تمارس إرهابا غير معلن على عائلة الطفلة. و كل الهيئات الرسمية و غير الرسمية التي راسلها والد الطفلة شيماء لم تهتم بالموضوع و لم تلكف نفسها حتى الرد على الأب الذي لم يقدر على مواجهة مؤسسات الدولة لوحده و حياة ابنته في خطر.












تضامنا مع الطفلة شيماء ريحان و عائلتها


تم إنشاء جروب أو مجموعة على الفايس بوك للتضامن مع الطفلة شيماء ريحان و عائلتها.

http://www.facebook.com/group.php?gid=121279457892049&v=wall
معا لتكون قضية شيماء ريحان قضية رأي عام، لنساهم في تسليط الضوء على ما تعانيه بسبب الأخطاء الطبية، و بسبب إهمال المستشفى لها.
شيماء طفلة جزائرية من مدينة سطيف دخلت المستشفى سليمة و هي الآن مشلولة و مكفوفة

لنطالب المستشفى بمنح شيماء كل وثائقها و تقاريرها الطبية

لنعمل على إيقاف الظلم و الإرهاب الممارس عليها و على عائلتها، و نطالب بالسماح لهم بنقلها لمسشتفى آخر للعلاج

قائمة لبعض قوانين و قرارات الحماية الاجتماعية الظالمة

• فئة المصابين بالإعاقة السمعية أو الصم البكم: أصبح غير معترف بها أبدا من طرف وزارة التضامن و مديرياتها الولائية. فحسب مخترعي القوانين و مبررات القوانين في الوزارة، الأصم و الأبكم ليس معاقا، لأنه يمكن أن يندمج في سوق العمل. و غاب عنهم أن البطالة أصبحت تؤدي بالشباب إلى الانتحار بكل أنواعه. و بالتالي فالصم البكم محرمون الآن من منحة المعاقين و من رقم الضمان الاجتماعي.

• العازب المعاق ذهنيا و حركيا بنسبة أقل من مئة بالمئة ليس له الحق في منحة المعوقين، و إنما يشترط عليه إنجاز بطاقة العلاج المجاني بالمستشفى لكي يستفيد من منحة الأمراض المزمنة.

• هناك أمراض مزمنة غير معترف بها من طرف الوزارة، مثل ارتفاع ضغط الدم، و السكري من نوع (2) أي النوع الذي يكون العلاج فيه بالحبوب و ليس بالأنسولين، و كذلك المرضى الذين استأصلوا الغدة الدرقية، ليس لهم الحق في شيء، و هم محرمون كغيرهم من أصحاب الأمراض السابقة من المنحة و رقم الضمان الاجتماعي. • مرض النزيف الدموي المزمن الذي يصيب الجاهز الهضمي، اسمه بالفرنسية la recto hémorragie digestive لا تقبل ملفاتهم أبدا على مستوى المديريات الولاية بسبب عدم السماح لهم بانجاز بطاقة العلاج المجاني بالمستشفى، رغم أنه هذا المرض وارد في القائمة المحددة حسب القرار الوزاري المشترك رقم: 289/02 المؤرخ في: 15/04/2002

• مرضى الصرع أيضا يعانون معاناة كبيرة، فالعازب المصاب بهذا المرض إذا لم يستفد من بطاقة الإعاقة بنسبة 100% يبقى أمره معلقا، و لا يمكن له فعل أي شيء، فبواسطة بطاقة الإعاقة التي تحمل نسبة 90 أو 80% لا يمكن له الاستفادة من منحة المعاقين لأنه أعزب، و لا يمكن له الاستفادة من منحة الأمراض المزمنة كما نفعل مع باقي الأمراض الذهنية و العصبية لأن المستشفى يرفض تسليمه بطاقة العلاج المجاني.

• حتى المرضى المصابون بالصرع ممن استفادوا من منحة و رقم ضمان اجتماعي، يبقى أمر استفادتهم المجانية من الدواء أمرا غير مضمون باستمرار، و عراقيل قبول استلامهم للدواء من طرف صندوق الضمان الاجتماعي كثيرة جدا.

• الأطفال دون سن الـ 18، إذا كانوا مصابين بأمراض مزمنة معترف بها من طرف الوزارة، ليس لديهم الحق في المنحة و رقم الضمان الاجتماعي إلى غاية إتمامهم سن الـ 18، حتى لو كان والدا الطفل المريض غير مؤمنين اجتماعيا، و حتى لو كان الطفل مصابا بالسرطان.


• المرضى الذي أودعوا ملفات بمديريات النشاط الاجتماعي الولائية، لغرض الاستفادة من منحة المرض المزمن، مجبرون على الانتظار أحيانا 6 أو 8 أشهر لوصول موعد استفادتهم، و قد تصل المدة أحيانا إلى عام أو عام و نصف ليصل ذلك الموعد.

هناك قوانين و مشاكل تواجه المريض و المعاق قد أكون نسيتها أو غابت عن ذهني لحظة كتابة هذه الأسطر. لكن الشيء المؤكد من كل ما ذكر و ما نسيته، أن الوزارة الوصية عن الفئات المحرومة بالجزائر، توجه كل معاق أو مريض مظلوم إلى تعلم التسول بكل أنواعه، التسول الذي يحفظ ماء الوجه و الذي يريقه بشدة.

شيماء…قضية رأي عام


ما يحدث بمستشفياتنا مطابق تماما للنكتة القائلة بأن من يدخل للمستشفى الحكومي سليما معافى يخرج منه مريضا أو ميتا. ما حدث للطفلة شيماء ريحان بمستشفى مدينة سطيف يجسد جيدا تلك النكتة المبكية، فقد دخلت المستشفى تشكو من التهاب اللوزتين، و كان من المفروض أن تمكث به يوما واحدا، و هي مدة أكثر من كافية لعملية نزع اللوزتين، عملية بسيطة جدا دفعت شيماء ثمنها غاليا، و كان مصيرها لحد الآن الشلل الكلي و العمى.
سلطت يومية الخبر الجزائرية الضوء على قضية الطفلة شيماء، لكن دون جدوى، لم يكن للسلطة الرابعة دور كبير لجعل خطر الموت الذي يهدد شيماء بمثابة قضية رأي عام، حيث أخبار المنتخب الوطني لكرة القدم تطغى على كل الأخبار، إضافة إلى انشغال الإعلام و القراء بقضية إجبار المواطنين على نزع الخمار و حلق اللحى لانجاز جوازات السفر و بطاقات التعريف البيومترية. و لم تحرك من قبل قضايا الأخطاء الطبية المقترفة في حق المرضى بمستشفياتنا أي منظمة أو جمعية أو فئة بالمجتمع، و لم يلتف الشعب يوما حول قضية مريض مظلوم، و لم تصبح أي قضية مثل تلك هي المشكل الأول له مثلما تبنى من قبل قضايا أقل أهمية، بل و تافهة في أحيان كثيرة.
كما أن التجربة أثبت أن الصحافة المكتوبة بالجزائر تلعب بالقراء و تحركهم كما تشاء و نحو الجهة التي تريد، و جريدة الخبر رغم احترافيتها و مصداقيتها إلا أنها تعرض أخبارها و تقاريرها بنوع من الموضوعية بعيد جدا عن اللعب على العواطف و بعيدا عن الطريقة السطحية المقرفة التي تعرض بها بعض الجرائد الصفراء اليومية أخبارها، و للأسف تلك الجرائد أصبحت تقول عن نفسها اليوم بأنها الأولى من حيث المبيعات و المقروئية، و هي تطبق جيدا المثل الفني المصري القائل: "الجمهور عاوز كدا"، لقد فهمت جيدا ما يريده جمهور القراء و ما يتناسب مع مستوى الوعي المتدني لهذا الجمهور، فهمت تلك الجرائد جيدا أن الجمهور لا ينقد ما يقرأ و إنما هو أقرب إلى قطيع الغنم منه إلى القارئ المتعلم الواعي. ربما لو تبنت تلك الجرائد الصفراء قضية الطفلة شيماء ذات الأربع سنوات، كانت ستجعل من معاناتها قضية رأي عام و تشغل بها القراء و تشمل بها كل فئات الشعب، و عندها كنا سنرى ربما عددا من المنظمات و الأحزاب و الجمعيات تتبنى الدفاع عن حق شيماء ريحان في العلاج و حقها في الاقتصاص من الطاقم الطبي و المستشفى المتسبب في مأساتها، لأنه و بسبب عدم تحرك الرأي العام نحو إنصاف هذه الطفلة البريئة، لم تتبني قضيتها إلا الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان.
كما أن التفاف الناس حول قضية مثل هذه يسمح و يسهل من عملية توجيه المحكمة التي تفتقر إلى العدالة، و يساعد في جعل هذه القضية أكثر عدلا، لأنه من المستحيل في بلد العزة الكرامة أن نرى مريضا ضعيفا يستطيع الاقتصاص من طبيب رئيس مصلحة أو من مدير مستشفى، أو حتى من حارس المستشفى أو منظفة المصلحة.

الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان تتبنى قضية شيماء


الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان تتبنى قضية شيماء
المستشفى يرفض تقديم كشف طبي ووزارة الصحة تتكتم

ساءت أوضاع الطفلة شيماء بشكل كبير، بعد تناول ”الخبر” للمأساة التي تعرضت لها إثـر عملية استئصال للوزتين، تسببت لها في فقدان الحركة وجميع الحواس، إذ أقدمت إدارة المستشفى الجامعي بسطيف على نقلها من مصلحة العناية المركزة إلى مصلحة الأمراض المعدية، رافضة بالمقابل تسليم والدها تقريرا طبيا عن حالتها. فوجئت عائلة ريحان بقرار نقل ابنتهم من مصلحة العناية المركزة إلى مصلحة الأمراض المعدية، رغم كارثية وضعها الصحي، وعدم قدرتها على التنفس والحركة وفقدانها لجميع الحواس بما فيها اللمس.
وقد وقفت ”الخبر” على وضع الطفلة الذي ازداد سوءا، بعد إهمالها في غرفة منعدمة النظافة ودون أدنى تكفل طبي، إذ ظهرت تقرحات خطيرة على جلدها بسبب عدم تغيير حفاظاتها. في المقابل، رفضت مصلحة العناية المركزة طلب الوالد تسليمه تقريرا طبيا مفصلا عن حالة ابنته وصور الأشعة والمخططات البيانية لعمل الدماغ، لتقديمها لأحد المتبرعين بالتكفل بها، إذ صدم بجواب صريح من الطبيب المسؤول، والذي قال له بالحرف الواحد ”لن أسلمك أوراقا تستعمل ضدنا في المستقبل”، في إشارة واضحة إلى محاولة التستر على الفضيحة. وقد حصلت ”الخبر” على وثيقة طبية مصادق عليها من طرف مدير الصحة وبعض الأطباء، تؤكد أن المستشفى يفتقر لطبيب مختص والعناية اللازمة للطفلة شيماء، مما يطرح علامة استفهام حول جدوى بقائها وعدم الكشف عن حالتها.
من جهة أخرى، أكد الوالد رفض مدير الصحة بالولاية الرد على شكواه التي تقدم بها إلى مصالحه لكشف ملابسات القضية، بعد أن أخلف وعوده بنقل شيماء استعجاليا إلى مستشفى مصطفى باشا في حينها. من جانب آخر، فشلت كل محاولاتنا للاستفسار عن القضية لدى الوزارة المعنية، بشأن إيفاد لجنة تحقيق في القضية من عدمه. ومن جهته قال رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، الأستاذ مصطفى بوشاشي في تصريح لـ”الخبر”، إنه في حال رفض أطراف استشفائية التكفل بالطفلة فإن العدالة مطالبة أيضا بمتابعتها بجريمة عدم مساعدة شخص في حالة خطر، ناهيك عن الخطأ و الإهمال الطبي الذي تعرضت له الضحية. من جهة أخرى، قال مصدر من الرابطة إن الهيئة تسلمت ملف الطفلة وهي على اتصال بالعائلة للتحقيق في القضية، مضيفا أن والد الضحية قد تعذر عليه الحصول على وصولات مقابل الشكاوى التي تقدم بها إلى مختلف الهيئات والتي بررت موقفها ”بعدم تمكينه من استعمال تلك الوصولات ضدها”.

المصدر : جريدة الخبر - سطيف: عبد الرزاق ضيفي/ /الجزائر: كوثر عبد الله

شيماء تصارع الموت إثر جراحة بسيطة والمستشفى يريد التخلص منها


محكمة سطيف أمرت بالتحقيق والأطباء يرفضون التعليق
شيماء تصارع الموت إثر جراحة بسيطة والمستشفى يريد التخلص منها

ترقد شيماء ذات الأربع سنوات، منذ عدة أيام، في ملحقة لمستشفى سطيف، بعدما حولتها جراحة بسيطة جدا أجريت لها لإزالة اللوزتين إلى جثة هامدة، لا حراك ولا حتى نظرات إلى الوالدين المفجوعين. وبينما يلح الأطباء على العائلة لنقلها إلى البيت، تتهم العائلة المستشفى بالإهمال والخطأ الطبي، فيما فتحت محكمة سطيف تحقيقا مستعجلا في القضية، بناء على دعوى مستعجلة رفعها الوالد.
لم يكن والدا شيماء يعلمان أن الشلل والعمى بانتظار فلذة كبدهما، عندما قدما بها في السابع من فيفري الماضي إلى المستشفى، بما أن مشاكلها الصحية لا تتعدى اللوزتين، عملية بسيطة جدا لا تستدعي حتى البقاء بالمستشفى، لكنها تحولت إلى كارثة. فشيماء لم تعد تتحرك ولا تبصر ولا حتى تسمع.
وحسب تصريحات الوالد لـ”الخبر”، فإن الأطباء يلحون عليه، حاليا، لنقلها إلى البيت، وقد نصحوه ”بنشر طلب مساعدة في الجرائد لعلاجها خارج الوطن، بينما لم تجد كل محاولاته لنقلها إلى مستشفى آخر، وطلب تدخل مدير الصحة للولاية لدى المستشفيات المجاورة، إلا أن مساعي الأخير لم تجد نفعا، إذ ”رفضت جميعها تحمل مسؤولية التكفل بالطفلة، وكان جوابها أن ”مستشفى سطيف هو من أجرى العملية لها ولا يمكن التدخل للتكفل بها”.
ويتساءل الوالد كيف لمستشفى أن يطالبه بنقلها للبيت، وهي لا تستطيع حتى ابتلاع الطعام الذي كثيرا ما ينتقل إلى الرئتين بدل المريء. وتوضح رسالة الوالد إلى وكيل الجمهورية لدى محكمة سطيف، أن ”الوالدة لاحظت بعد انتهاء العملية مباشرة استمرار النزيف فألحت على حضور الطبيب، وبعد مجيء مجموعة الأطباء أعادوها لغرفة العمليات حيث أخبرت من طرف أحدهم أنه تم نسيان قطعة في أنفها وبعد إخراجها استمر النزيف رغم وجود فتيل في أنفها وبعد ثلاث ساعات أعيدت لقاعة العمليات، وتم وضع محبس مقياس الأكسجين وبعدها أدخلت غرفة الإنعاش”.
ويضيف الوالد أنه بعد استفسار ملح مع الأطباء أخبروهم أن دم الطفلة لا يتخثر لكن ”ذلك لم يكن صحيحا بل أصيبت بالتهاب في الرئة لأن الدم الذي كان ينزف كان ينتقل للرئة بدل الخروج من الأنف”. وبعد أسبوع أخبر الوالد أن النزيف توقف، لكن ابنته دخلت في غيبوبة، ورغم نزع آلة التنفس ظلت شيماء لا تتحرك ولا تبصر، بينما رفض الأطباء تقديم أي تفسير له وسلموه كشفا صحيا بحالتها.
في المقابل، وجدت ”الخبر” صعوبات كبيرة في معرفة ما تعرضت له ”شيماء”، وسط شبه اتفاق بين الأطباء على الإحجام عن أي تصريح للصحافة، إذ لا يوضح التقرير الطبي الأسباب الحقيقية لما حدث باستثناء شرح مفصل لوضعية الطفلة والظروف التي أحيطت بالعملية، ولم نحصل من المستشفى على أكثر من تصريح لأحد الأخصائيين الذي رفض ذكر اسمه، حيث أكد لنا أن عملية استئصال اللوزتين بسيطة جدا، لكنها تحمل الكثير من المخاطر مثل حدوث نزيف سواء أثناء العملية، مباشرة أوبعدها أو بشكل متأخر. بينما يجري التحقيق الذي باشرته محكمة سطيف في سرية تامة، مما يرجح فرضية الوقوع في خطأ طبي أو بالأحرى عدم جدية التكفل الطبي بحكم أن مثل هذه المضاعفات الخطيرة قد تحدث في أي لحظة، خصوصا مع إصرار المستشفى على أهل ”شيماء” بأخذها إلى البيت.
وتبنت اللجنة الوطنية للأخطاء الطبية ملف شيماء، وأكدت الناطقة باسمها، نادية تامزايت، أنها تتابع القضية عن قرب وهي على اتصال مستمر بالعائلة.

 المصدر : جريدة الخبر - الجزائر: كوثر عبد الله سطيف: عبد الرزاق ضيفي 2010-04-08

الأعمال التطوعية و الجمعيات الخيرية، ضروريات أو كماليات؟

التطوع و عمل الخير موجود منذ بدء الخليقة، و لا يخلو دين سماوي أو أرضي من نصوص تحفز على عمل الخير و مساعدة الناس و نشر كل ما فيه فائدة للمجتمعات و الشعوب.

كما لا تخلو المجتمعات الحالية في الألفية الثالثة من جمعيات و منظمات يكون أساسها التطوع و إفادة الصالح العام، سواء كانت مجتمعات علمانية أو دينية أو غيرها.

الأعمال التطوعية في عالم اليوم، كما في عالم الأمس، هي ضرورة في المجتمعات الفقيرة كما في المجتمعات الغنية، فعدا أن كلا المجتمعين لا يخلوان من الفقراء، و إن اختلف شكل ظهور الفئات المحرومة، عدا عن هذا، فالتطوع هو ضرورة لتعزيز و تكريس الإحساس بالمواطنة و الانتماء، و هو وسيلة لتنمية روح التضامن مع الغير لدى أفراد أي مجتمع، و هو وسيلة مكملة هامة لمساعدة السلطة على تسيير الأمور المحلية الصغيرة و الكبيرة، و هو في بعض الدول و المجتمعات وسيلة هامة لها الأولوية في التواجد قبل أجهزة الدولة نظرا لضعف هذه الأخيرة و فشلها في التسيير و تحقيق نتائج حسنة و مفيدة.

و تجدر الإشارة إلى أن الأعمال التطوعية أشمل من الأعمال الخيرية التي نقصد بها في الغالب العمل التطوعي المخصص لفائدة الفقراء و المرضى و الفئات المحرومة بصفة عامة، بينما يمكن أن يكون العمل التطوعي أيضا برنامج توعية موجهة لفئة معينة من المجتمع، ليس بالضرورة تكون فقيرة، يمكن أن يكون موجها لفئة السائقين، أو فئة النساء الحوامل، أو سكان حي معين بخصوص تحسين تسييره و تنظيمه، و قد يكون أغنى أحياء المدينة، لكنه يبقى بحاجة دائمة للعمل التطوعي.

و بالعودة إلى دور الأعمال التطوعية، نجده تكميليا في المجتمعات الغربية المتقدمة، بينما في مجتمعات العالم الثالث هو في الغالب دور ضروري جدا و قد يعوض في بعض الحالات دور الدولة الغائبة في مجالات كثيرة بسبب ضعف الخدمات الصحية، أو بسبب عدم سيطرة الدولة على الوضع الأمني، أو هشاشة السلطات المحلية و بعدها الكبير عن انشغالات المواطن الحقيقية، فالفقر و البطالة و السكن و الأحياء الهامشية و العشوائية هي مشاكل تزيد من ضرورة وجود جمعيات و منظمات محلية تجعل من العمل التطوعي جهدا يوميا متواصلا لسد الثغرات التي يخلقها ضعف الدولة و ضعف قوانينها.

من المؤسف أن نرى في دول الوطن العربي و دول العالم الثالث أعمالا تطوعية تكاد تعوض عمل الدولة المنتظر منها، من المحزن رؤية مستشفيات تعتمد بشكل كبير جدا على مساعدات الجمعيات و المنظمات، بينما من المفروض أنها مستشفيات وجدت لكي تكون الدولة المتكفل الوحيد و التام بالمرضى، و قد تكون الدولة العربية التي نتحدث عنها ذات مداخيل نفطية هائلة لكن مرضاها يتعلمون التسول من أجل الظفر بفرصة للعلاج و النجاة، نماذج كثيرة لدول عربية وضعها يشبه هذا الوضع.

أما عن الموارد البشرية في الأعمال التطوعية، ففي الوطن العربي و في ظل ما تعيشه أغلب المجتمعات العربية حاليا، من الصعب الحصول على طاقة بشرية كبيرة و مستمرة في الأعمال التطوعية، فاليأس الذي يلبس شباب العرب يقف حاجزا كبيرا بينهم و بين التطوع لفائدة المجتمع، كيف يفيد مجتمعا و دولة يراها الشاب العربي هي أول متسبب في مشاكله، و كيف يكون كريما مع نظام و سلطة يراها هي البخيل الأول الذي أخذ منه حقه.
و مع ذلك فالجانب الديني للموضوع يعزز الأعمال التطوعية و يكسبها صفة الواجب و الفرض الذي يجب على الشاب المسلم أو المسيحي القيام به.

و خلال عملي التطوعي بالمستشفيات، وجدت بأن الجانب الإنساني و الديني لا ينفصلان أبدا لدى المسلمين، فالأعمال التطوعية الموجهة خاصة نحو المستشفيات لا تخلو من رغبة مزدوجة لدى المتطوع، رغبة في إفادة المريض و مساعدته على العلاج و الشفاء، و رغبة في التقرب إلى الله و تنفيذ ما أمرنا به، و أمل في أن تكون تلك الأعمال التطوعية هي سبيل الخلاص غدا، في الحياة الآخرة.
من الضروري استخدام الجانب الديني بطريقة سليمة لمساعدة الأعمال التطوعية على الانتشار في مجتمعاتنا بدون إفراط أو تفريط و بدون أن يكون المنظر و الوضع و كأننا في مسلسل ديني عربي رديء، و بدون أن يؤول بنا الوضع كما آل بالأعمال التطوعية الخيرية التي وجهت الشباب من عمل الخير إلى اعتناق مذهب التكفير و ذبح الناس باسم الدين.

مجلة المسار الجامعية العمانية: 28/02/2010 - العدد: 185

يوم بلا بؤس و لا شقاء

اعتقال الأمن الجزائري لصاحب فكرة و صفحة "يوم بلا شراء" على الفايس بوك، يجعلنا نردد بكل قناعة الأغنية الرياضية الجزائرية المعروفة و التي يقول مطلعها: "هذه البداية و مازال مازال".

هذه بداية لعهدة جديدة من الاعتقالات بالجزائر، و التي يكون سببها جرائم الرأي الإلكترونية، إن صح التعبير بهذه الطريقة، فاعتقال الصحفيين بسبب كتاباتهم على الصحف الورقية أصبح أمرا مألوفا جدا في بلاد العزة و الكرامة، الجديد هو أننا سنبدأ مرحلة يميزها الاعتقال أيضا بسبب الآراء و الأخبار المنشورة إلكترونيا.

اعتقال الصحفي زبير فاضل صاحب المبادرة الاحتجاجية، حتما سيجعل لعاب السلطة لاعتقالات أخرى، و إلا فإن لعاب النشطاء الإلكترونيين هو الذي سيسيل في حال نجحت مبادرة يوم بلا شراء، و بالتالي سوف تصبح السلطة في مأزق كبير جدا، و هي التي تعاني من فوبيا اتحاد المواطنين و التفافهم حول فكرة معينة.

إنها فوبيا الوعي الذي يجب أن يمنع وصوله دائما إلى عقل المواطن البائس، و لكي يبقى بائسا، يجب أن يبقى جائعا، و هو في هذه الفترة مواطن جائع بامتياز، و للقضاء على هذا المواطن، ربما بقي فقط السماح لأسعار الخبز و الحليب بالارتفاع.

بهذا الاعتقال، تتأكد أكثر فكرة "حرية التعبير الشكلية" التي تميز جزائر ما بعد الأحادية، جزائر التعددية هي مجرد مسرحية يمكن فيها إسكات أي ممثل يخرج عن النص و يتمرد على المخرج و المؤلف و المنتج، و يزعج الجمهور بأن يلفت انتباههم إلى ما يجب أن يبقوا غافلين عنه.
هناك عبارة كلاسيكية تعودنا على قولها و سماعها، تقول: "الضغط يولد الانفجار"، لكنها في جزائر اليوم ليست مجرد حكمة قديمة، بل هي العنوان الرئيسي لهذه المرحلة التي نعيشها، و لا أحد يعلم متى يحين وقت هذا الانفجار.

لا أتمنى وصول موعده، و لا أدعو إليه و لا أحرض، لكنه قادم لا محالة، و الشعب الجائع سيتغلب يوما على وهنه و تكون ثورة سوداء، لا برتقالية و لا بنفسجية، ستكون مدعمة بجيوش من اللصوص و المجرمين.
ألا يعلم النظام الجزائري بأن نصف الشعب جائع، و النصف الآخر إما لص أو مجرم؟

قد يكون في كلامي مبالغة كبيرة، لكن النسبة المرتفعة للإجرام و الجوع معا تجعل أي إنسان طبيعي يخاف على مصير بلاده. و إلى ذلك الحين، نرى البؤس و الشقاء و نقول: ألطف يا رب بهذه البلاد.

الراقصة المحترمة

تابعت منذ أيام برنامجا حواريا من النوع الذي أحبه و يقال له "التوك شو"، حضر فيه مزيج جميل من شخصيات مختلفة من مجالات متشابهة و غير متشابهة، فكان الممثل بجانب الإعلامي، و الراقصة بجانب السياسي، و الاقتصادي بجانب الرسام….كان من بين ضيوف البرنامج عازف كمان و راقصة مشهورة.
قدم العازف فنه الذي حضر بسببه و عزف عزفا جميلا حرك به المشاهدين و كل من معه بالبلاتو.أما الراقصة فلم تقدم شيئا من فنها الذي هو سبب شهرتها، و هو سبب دعوتها لذلك البرنامج، بل اكتفت فقط بالحديث بينما تعرض من حين لآخر فقرات قصيرة مسجلة من رقصاتها المشهورة.
لماذا عزف الموسيقي في الأستوديو و أحضر معه كمانه، بينما لم تحضر الراقصة بذلة الرقص معها، لماذا قدم فنه و امتنعت هي عن تقديم فنها؟أليس الرقص الشرقي فنا محترما و من المفروض ألا تخجل الراقصة من تعرية نفسها في الأستوديو و الرقص أمام الكاميرا؟
أم أن الرقص الشرقي محترم فقط لما يكون في الملاهي الليلية؟أليس من المفروض حذف كلمة محترم و عدم استخدامها أبدا لما يكون الحديث عن الرقص أو عن الإغراء.إضافة كلمة محترمة للراقصة فيه ظلم كبير لها، و هو ذم و استهزاء و ليس مدحا، الراقصة هي راقصة و فقط، لا توجد واحدة محترمة و أخرى قليلة الأدب.هناك راقصة محترفة متقنة لعملها و راقصة دخيلة لا تجيد عملها، و الأولى و الثانية تقدمان الإغراء، لكن الأولى تجيد تقديمه.يمكن أن نقول ممثلة أدوارها محترمة، إذا كنا نقصد بذلك الممثلة التي لا تقدم أدوار الإغراء، لكن هل توجد راقصة شرقية لا تقدم الإغراء؟
حتى لو لبست الجلباب و رقصت به، حركات الرقص الشرقي تبقيه دائما مصنفا في خانة الإغراء مهما تغير اللباس، لأنها حركات تركز بالأساس على مناطق الجسم الحساسة، و هي المناطق الرئيسية في العملية الجنسية.هناك رقصات لشعوب و مجتمعات أخرى لا تكون حركاتها تتمحور حول تلك المناطق من الجسم، و تكون خالية من التلوي، ربما هي أقرب إلى الحركات العسكرية. و المنتقدون لهذه الرقصات يقولون لك بأنها خالية من الفن، و كأن الفن يكون حاضرا فقط لما يتحرك القبل و الدبر.

أسئلة جنسية للمفتي

حدثني صديق لي يعمل أستاذا محاضرا بالجامعة الإسلامية عن نوعية بعض الأسئلة التي تطرح عليه من طلبته أو من بعض المصلين خلال تدريسه بالمسجد.هي أسئلة لا تطرح أمام الملأ، بل تكون بعد الانفراد بالأستاذ المفتي أو بعد كتابتها في ورقة تسلم له وحده.الأسئلة التي حدثني عنها كانت تدور كلها حول الجنس في الحياة الآخرة، في الجنة، عن الحور العين و عن الولدان المخلدين، و عن التعدد، و القوة الجنسية…..هناك من يسأل عن شكل الحور العين و العدد المخصص لكل مؤمن، و عن الحد الذي يمكن أن تبلغه القدرة الجنسية للرجل المؤمن في الجنة.هناك من يسأل عن نوعية الممارسة المشروعة في الجنة مع الحور العين.و البعض يتساءل عن تفاصيل في العملية الجنسية لا يمكن ذكرها هنا، ربما في كتب المختصين يمكن ذلك.و حدثني بألم عن ذلك الرجل الطيب العاجز جنسيا، و الذي كان يبكي بحرقة حسب صديقي أستاذ الشريعة، سؤال الرجل بل أمنيته كانت أنه لما يذهب إلى الجنة يعوضه الله عن كل هذا العجز الذي جعل حياته و حياة زوجته جحيما لا ينتهي إلا بوفاته.أمنية ذلك الرجل كانت أنه يكون أكثر رجال الجنة فحولة.و للمصابين بسرعة القذف أيضا نصيب من الأسئلة، و هي أسئلة على شكل أماني تحمل الإجابة في محتواها. و الجواب دائما لا وجود لسرعة القذف في الجنة.و سئل أيضا صديقي هذا عن حقيقة الولدان المخلدين، هل هم للمتعة أم لمجرد خدمة أهل الجنة؟ فكان الجواب نهائيا و مؤكدا للاختيار الثاني، هم لخدمة أهل الجنة و ليسوا أبدا للمتعة الجنسية كما يدعي البعض، و بذلك يكون قد قطع أي بصيص أمل للمصلي السائل الذي كان يتمنى أن تكون ميولاته البيدوفيلية المرضية على الأقل مباحة في الجنة.و جاء جواب المفتي، أنه لا وجود للمثلية الجنسية في الجنة، لا مع الصغار و لا مع الكبار.و كان أحد الأسئلة كالآتي: ما هو جزاء المثلي العفيف في الآخرة؟ هل يعوضه الله عن صبره بإباحة ما منع عنه؟أما أسئلة الفتيات، فتتركز بعضها حول التعددية لدى النساء في الجنة، هل مسموح للمرأة المؤمنة في الجنة بأكثر من رجل واحد؟و الإجابة أيضا هذه المرة كانت محبطة لبعضهن، لا وجود لتعدد الأزواج في الجنة. و أتذكر أن إحداهن ممن نقلت لها الجواب بنفسي كانت محبطة جدا.هي أحلام و ميولات جنسية تترجم على شكل أسئلة دينية تتمنى الإجابة بنعم ليتم التعويض عن ما فات في الحياة الدنيا و ما منع فيها، و ربما قد تكون الإجابة بنعم دافعا قويا لهم لسلوك طريق العفة و التدين. لكن الفتوى لا تميل كما يميل الناس، و قد تكون الإجابة بنعم طريقا مفتوحا للمشاعية الجنسية.

الصراخ بالنيابة

لأن الصمت العربي رهيب، تركيا تصرخ عوضا عن العرب، و تنتج مسلسل صرخة حجر عن القضية الفلسطينية و عن الوضع في الأراضي المحتلة.
لأن الوسط الفني العربي مشغول بالترويج لهيفاء و لستار أكاديمي، و بالتهليل لقدوم مسلسلات عجائز الدراما الرمضانية، صنعت تركيا مسلسلا نيابة عنا و أبرزت فيه فضائع و جرائم الاحتلال الصهيوني ضد شعب و أطفال فلسطين.
قضية فلسطين قضية عالمية، قضية تهم كل باحث و مدافع عن حرية الشعوب و حقها في تقرير مصائرها، هي قضية كل مسلم، و بديهي إذن أن تقوم تركيا بالعمل من أجل نصرة القضية الفلسطينية.
لكن أليس العرب أو ما يقال له الوطن العربي أقرب إلى القضية الفلسطينية من أي بلد آخر، مسلم أو غير مسلم؟
هل تكفي الأعمال الفنية التي أنتجها العرب من أجل فلسطين؟
نحتاج للمزيد من الأعمال التي تشبه "التغريبة الفلسطينية" لنقول لأنفسنا و للعالم ماذا حدث بالضبط في فلسطين، و ما هي النكبة الحقيقية بالرواية الأصلية، الرواية التي تحكى بدماء أصحاب الأرض الأصليين.
نحتاج إلى أعمال على شاكلة "الاجتياح" لكي تسلط الضوء على الفلسطيني الإنسان، الذي يناضل و يجاهد، و في نفس الوقت يحب و يعشق، يدرس و يحلم بالتخرج، يسافر و يتغرب و يتمنى غدا أفضل.
نحتاج لأن تعج المواسم الرمضانية الدرامية بمسلسلات مثل: عائد إلى حيفا، الدرب الطويل، رجال الحسم……
و بالتعريج على الوسط الغنائي العربي، و بغض النظر عن الأغاني التي تنتج بطريقة ارتجالية و مناسباتية بفضل الهجوم الإسرائيلي المتكرر من حين لآخر على غزة و الضفة، هل فعلا يمكن أن نعثر على وجود للقضية الفلسطينية في الأغنية العربية؟
قد نعثر على مطربين قلائل اتخذوا منها نهجا يسيرون عليه و مبدءا لا جدال فيه لمواضيع أغانيهم، أو على الأقل اتخذوها قضية لا تغيب عن بالهم و يعودون إليها خلال إنتاجاتهم المتواصلة و المتنوعة بين العاطفي و الوطني…
يمكن أن نذكر: فيروز، مارسيل خليفة، أميمة الخليل، جوليا بطرس، ريم بنا، لطفي بوشناق….
الأوطان لا تحرر بالفن، و إنما بالسلاح، و لكن الفن و الإعلام اليوم هو الداعم الأكبر للمجاهد و المناضل، و لكننا للأسف، عرفنا كيف نسوق و نروج للسلفية الجهادية و أقنعنا العالم بأننا إرهابيون، و لم نتمكن منذ سنة 1948 من إقناعهم بعدالة القضية الفلسطينية. نتحمل جزءا من هذا الفشل، و يتحمله معنا الأعداء أيضا.

فيلم يوم الأحد

خلال سنوات التسعينات الأولى، كاد يكون يوم الأحد مقدسا لدى عشاق الأفلام الجنسية، خاصة السهرة الممتعة التي كان يوفرها يوم الأحد، بفضل قناة آم6 الفرنسية (M6).
كان الحدث الهام كل أسبوع، وحديث صباح يوم الاثنين، هو فيلم سهرة الأحد، كيف كان؟ ما مدى العري الذي فيه؟ وهل كان فعلا يستحق المنع فقط على المشاهدين الأقل من 16 سنة، أم يستحق المنع على الأقل من 18 سنة أيضا؟
أحاديث كثيرة كان يتحدثها الصغار والكبار صبيحة يوم الاثنين عن فيلم القناة الفرنسية السادسة، حوارات رجالية عن نوعية نساء ذلك الفيلم، عن نوعية الأجساد والأعضاء، وكل التفاصيل، بعضهم يقول أنه كان فيلما سيئا، فهو فرنسي محلي، البعض الآخر يتمنى لو كان فيلما إيطاليا، فحسب الرأي السائد، الإيطاليون هم أسياد الأفلام الجنسية في العالم، بينما قد تجد البعض يقول لك لا استغناء عن الإباحية الأمريكية التي تقدم في قالب متقن ومحترف.
كان فيلم الأحد عزيزا جدا على الكثيرين في وقت كان وجود مثل تلك الأفلام شحيحا مقارنة بما هو عليه الوضع الآن.
اليوم أصبح الجنس في كل مكان وبوسائل مختلفة، وقليلة هي الأماكن التي لا يمكن الحصول فيها على صورة جنسية أو لقطة أو فيلم جنسي.
مع وجود الفضائيات الكثيرة ومواقع النت هائلة العدد، لا وجود للكبت الجنسي في هذا الزمن، أو ربما كل واحد يعبر بطريقته عن كبته الجنسي.
عند مقارنة فيلم يوم الأحد بما تبثه القنوات الإباحية اليوم، يبدو فيلم القناة السادسة مضحكا ومثيرا للأعصاب أكثر منه للشهوات، لكنه في زمن مضى كان فيلما عزيزا.
و بتطبيق نفس المقارنة، يبدو فيلم التسعينات وكأن يد الرقابة امتدت إليه، فمناطق معينة في جسم الممثلين والممثلات ممنوع عليه الوصول إليها، مناطق أصبحت مستباحة جدا والوصول إليها بنقرات قليلة على مفاتيح الحاسوب يصل إليها حتى الأطفال.
تطور الوضع اليوم، والأحد صار أياما متتالية من الإباحية لا تنتهي، وأصبح بإمكان المكبوتين والفضوليين العثور بسهولة على أفلام خلاعة عربية مئة بالمئة. لكن لماذا نظلم المكبوتين والفضوليين؟ ليسوا الوحيدين المتابعين لتلك الأفلام.

ستار أكاديمي للإعلاميين و المذيعين

الوسط الإعلامي و التلفزيوني الفضائي أصبح يحوي من الإبهار و المتعة البصرية ما يجعل له نجوما تتألق في سماءه كما نجوم الفن أو تكاد تكون مثلهم.
شهرة الإعلامي العربي أصبحت تميل كثيرا إلى النجومية التي يتمتع بها الإعلامي الغربي، الأوروبي أو الأمريكي خاصة.
فظهور الفضائيات العربية الكثيرة و المنافسة الكبيرة بين القنوات عالية المستوى، أبرز اهتماما متعدد الأطراف بالإعلامي أو المذيع، اهتمام الإعلامي بنفسه، اهتمام القناة به لتنافس نظيراتها بواسطته، و اهتمام الجمهور به.
نرى أعدادا كثيرة من مذيعين و مذيعات، مستويات مختلفة، أشكال متنوعة، و شخصيات متعددة و متباينة فيما بينها، هذا وسيم، تلك فاتنة، و الأخرى متحررة في لباسها، و زميلتها ذات الصوت الملائكي، و ذلك فصيح اللسان، و زميله لديه طريقة جلوس معينة، و زميل آخر كثير الضحك خلال التقديم…
أصبح لهؤلاء معجبين و مواقع على الانترنيت خاصة بهم، صورهم الجديدة تتداول بين المعجبين تماما كما يحدث مع صور نجوم التمثيل و الغناء.
بعض الإعلاميين و المذيعين، فهم اللعبة جيدا في وقت مبكر، و أتقن فن التواصل مع الجمهور و مع الصحافة، فأضحى نجما حقيقيا تحيط به هالة الشهرة، مع أن النظرة إلى الإعلامي أو المذيع التلفزيوني كنجم، قد تجعل البعض منهم يعيش و كأنه في بروج مشيدة، يأبى التنازل و قول كلمة شكرا لمن يستحقها.
أتساءل أحيانا بيني و بين نفسي، ما الذي يمنع الفضائيات التلفزيونية العربية من إنجاز برنامج من نوع تلفزيون الواقع، يكون موضوعه تكوين و تخريج إعلاميين و مذيعين، حتما سيكون برنامجا لافتا و ناجحا إذا تبنته قناة بارزة تتمتع بنسب مشاهدة عالية.
سيسمح ذلك للمشاهدين بمتابعة ولادة الإعلامي النجم منذ بدايته، و رؤيته على طبيعته، هو يأكل، و هو يضحك، و هو نائم، و خلال غضبه و شجاره مع زملاءه بالأكاديمية، و قد تسمح لهم الصدفة أو التخطيط المسبق لمتابعة قصص حب تنشأ بين طلاب أكاديمية الإعلاميين هذه، على شاكلة قصص الحب المقرفة التي نشاهدها تنشأ بين طلاب ستار أكاديمي.
ما دام الوسط الإعلامي يتمتع بالهالة الكافية لجعله مصدر رزق بهذه الطريقة و المتاجرة بالشباب الطامحين لتحقيق حلم النجومية في سماء الإعلام و الفضائيات، ما الذي يمنع إذن القنوات العربية من فعل ذلك، و هي التي أثبت في الغالب أنها يمكن أن تعرض أي شيء قابل لرفع نسب المشاهدة و ملئ الجيوب و الحسابات البنكية.

غربال ولد عباس

غربال وزير التضامن لن يغطي أبدا شمس الحقيقة، حقيقة أن واقع الفقراء بالجزائر قاسي جدا، و أن عدد أفراد هذه الفئة التي لا يعترف بها ولد عباس عدد كبير جدا، و أكبر من أن يستطيع تغطيته بغربال تصريحاته التي لم يعد أحد يصدقها، ربما يصدقها غير الجزائري ممن لا يعرف عن الجزائر شيئا سوى أنها بلد الأبطال و بلد المليون و نصف مليون شهيد.
لكنها اليوم، أصبحت بلد قفة رمضان، و من بين أبرز الدول التي تجد بها فقراء يعانون الجوع و المرض، بينما خزائنها ملئ بالمداخيل، و تصريحات حاكمها و وزراءه توحي أنها جنة الله الموعودة.
طوابير الفقراء و أنصاف الفقراء التي نشاهدها كل عام أمام مداخل البلديات و المساجد و الجمعيات الخيرية، ليست مسرحيات و تمثيليات، انتخاباتنا التي يقال عنها نزيهة قد تكون كذلك، مجرد مسرحيات تضفي الشرعية على الفائز، أما مناظر الفقراء فهي حقيقية، لم تأتي من فراغ، أو لمجرد أن ذلك الذي يقف في الطابور فقد حياء وجهه أو أنه يتصف بالرخس كما قد يصفه الكثيرون.
من يضطر للوقوف في طابور الصدقة، هو رب عائلة جائع، أولاده جائعون و مرضى، قد يكون مرضهم الربو لأنه يعجز عن تسديد تكاليف التدفئة طيلة فصل الشتاء، و الأمثلة على هذا كثيرة جدا، و نعيشها مع الناس يوميا.
من غير المعقول أن نتهم كل فقراء الجزائر بأنهم متسولون محتالون انتهازيون، فأمثال هذه الفئة موجودون بكل مجتمعات العالم حتى الراقية منها، و لكن ليس من المعقول أن تصبح نصف عائلات البلدية مصنفة ضمن تلك الفئة، من المستحيل أن يكون الواقفون في طوابير الصدقة كلهم محتالون، الجوع و الاحتياج يفعلان بالإنسان ما يمكن تصوره.
ألا يعلم السيد الوزير كيف هي وضعية الفئات المحرومة و التي من المفروض أنه أعلم الناس بها، ألا يعلم ماذا يمكن أن يفعل المعاق أو المريض المزمن بمنحته، هل يمكن لها أن تفطره و عائلته يوما واحدا من رمضان؟ أليست الصدقة و قفة رمضان هي الحل الراهن و الأسرع؟
حتى الموظف، هل يكفيه راتبه طيلة شهر رمضان؟ حتى و لو طبق هو و عائلته كل طرق التقشف و الأحاديث النبوية التي تحث على الاقتصاد و تنبذ التبذير.
هل الوزير مطلع جيدا على وضع الأسعار و إلى أي حد وصلت؟ هل يقيس هذه الأمور حسب راتبه و راتب زملاءه؟
ألا يعلم بأن المصحات و العيادات الخاصة ملئ بالمرضى بفضل تكافل الناس فيما بينهم و بفضل المساجد و الجمعيات الخيرية؟ و لولا هذا التكافل لما استطاعت الغالبية العظمى من الدخول من باب العيادات الخاصة.
من يقدر على تسديد تكاليف عمليات جراحية، الأدنى فيها تقدر بـ 3 ملايين سنتيم. و إن كان هذا المشكل يطرح أيضا لوزير الصحة، إلا أن مثل هذه الحقائق توجه أساسا لمن أنكر وجود الفقراء بالجزائر.
إذا كان الحراق الذي رفض واقعه القاسي و فضل رمي نفسه في البحر و الهجرة غير الشرعية يعتبر مجرما، فكيف نسمي الذي ينكر هذا الواقع القاسي و يغض الطرف عنه؟

المحاباة...تهمة في فرنسا...و ميزة في الجزائر

واجه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في الأشهر الماضية تهمة المحاباة و اتهامات أخرى باستخدام و استغلال سلطته و مكانته و التوسط لابنه "جان ساركوزي" لكي يضفر بمنصب هام يجعله مكلفا بـإدارة وكالة التطوير العقاري لحي لاديفانس للأعمال التجارية في باريس.
المعارضون و المتهمون لساركوزي يرون بأن ابنه ليس أهلا لكي يتولى ذلك المنصب و بأنه يوجد من هو أجدر منه، لكنه وضع فقط من أجل عيون والده و إرضاء له.
التهمة غريبة جدا عندنا هنا، و هي أصلا ليست تهمة، و من يعتبرها تهمة هو بدوره يعتبرونه مجنونا، لأنه سيكون بالمفهوم الجزائري إنسانا يعيش في الأحلام و الخيال و لا يفهم الواقع و الأمور كيف تسير، هو ببساطة إنسان جايح، يفتقر إلى "القفازة".
" ربي و عندو حبابو" مثل قد يبدو صحيحا لكنه يستخدم لتبرير المحاباة و الوساطة و الرشوة، بينما المعروف أن أحباب الله هم من يتبعون طريق التقوى، و لا فرق بين عربي و أعجمي إلا بالتقوى.
أما الأحباب حسب مفهوم "القفازة الجزايرية" فهم الإخوة و أبناء العم و أبناء العرش و أصحاب الرشاوى.
كم منصب عمل عندنا سلّم بهذه الطريقة؟ كم منظفا و حارسا وظف حسب هذا المقياس؟ اذهبوا لمديريات التربية و تأكدوا كم أستاذا و معلما نجح في المسابقة بهذه الطريقة؟ كم طالبا نجح في الماجستير بقانون المحاباة؟ كم مسؤولا علينا نصب هكذا؟ كم وزيرا؟ و هل يمكن أن نقول كم رئيسا؟ و إن كان هذا السؤال خاصا فقط بالفترة التي بدأت فيها المرحلة المسماة بالتعددية و حرية الرأي و حرية الانتخاب. هل كنا ننتخب فعلا؟
أرجوكم، من فضلكم، كفاكم ضحكا على الشعب المسكين، كفاكم حديثا عن تكافؤ الفرص، و عن الشباب ثروة البلاد، الشباب الهارب منكم إلى أعماق بحار و إلى بطون الحيتان و أسماك القرش، تقديركم للثروة الهاربة كان بتجريم هذا الهرب و لومهم على قلة صبرهم، و عوض أن يقوموا بدور النبي يونس، اقترحتم عليهم أن يلعبوا دور النبي أيوب أكثر عباد الله صبرا على الابتلاء. مع احترامنا الكبير لأنبياء الله جميعا عليهم السلام.
البطالة و عدم تكافؤ الفرص و فقدان الإحساس بالذات هي أهم أسباب الانتحار و هروب الشباب، و المحاباة هي أول شيء يقضي على تكافؤ الفرص.
كما أن سياسات الشغل العقيمة و برامج التشغيل الساذجة لم تنجح في أن تكون عنصر تخدير طويل الفعالية.
المحاباة و الواسطة في كل مكان و في كل مجال، حتى مع المرضى و المعاقين، منذ سنوات طفولتي الأولى و أنا أرى العمليات الجراحية في المستشفيات الحكومية تسير بقانون المحاباة و الواسطة، و هناك دائما أسرة فارغة لأصحاب "المعريفة".
الحمد لله أن القبور لا تعطى بالمحاباة و لا تحتاج إلى وساطة، و إلا أصبح أغلب الناس يدفنون موتاهم في الأنهار و الوديان كما يفعل الهندوس أو السيخ أو طائفة من هذه الديانات.

بلد الشاب خالد و نور الدين مرسلي

خلال سنوات الإرهاب الدموي التي مرت على الجزائر، كان يؤلمني ككل الجزائريين أن ينسب بلدنا الجريح إلى الإرهاب و التطرف، و أن يعامل كل أفراد الشعب على أنهم إسلاميون متشددون يجب الحذر منهم أينما ذهبوا.
كانت الدول العربية كالغربية، متساوية مع بعضها في النظرة المشوهة التي يرون بها الجزائر، و متساوية في الوصف الذي ينعتوننا به، و كأنه يوجد اتفاق مسبق على ذلك، و كأن الإرهاب صناعة جزائرية مئة بالمئة، بينما براءة الاختراع في هذا المجال تعود إلى دول عربية و إسلامية أخرى، كانت تظن نفسها بعيدة عن المرض الذي صدرته لنا، و الآن هي تعيش في الدوامة نفسها التي صنعتها. اللهم لا شماتة.
خلال سنوات التسعينات السوداء، كان اسم الجزائر إذا ذكر في الصحافة العربية يكون مقرونا بالإرهاب، و الأوقات التي يكون بعيدا فيها عن هذا الوصف القاسي القريب من الحقيقة و من الباطل في آن واحد، هي تلك اللحظات التي ترد فيها أخبار عن انتصارات العداء الجزائري نور الدين مرسلي، و زميلته العداءة الجزائرية حسيبة بوالمرقة.
كان في ألعاب القوى عزاء كبير لنا، حيث نستطيع سماع أخبار سعيدة تتعلق ببلدنا على قنوات الآخرين، على القناة الوطنية الوحيدة، كان الأمر مختلفا جدا.
عزاء آخر كان لدى الجزائريين، عند تداول أخبار و نجاحات مغني الراي الأول الشاب خالد، الذي وصل إلى حيث لم يصل فنان عربي من قبل، هذه حقيقة و واقع، سواء قبلها من يرون في الراي فنا هابطا أم رفضوها.
من انزعج في التسعينات من نسب الجزائر للشاب خالد، هل كان يرضيه نسب الجزائر للإرهاب؟
أليس الأفضل نسب الدول إلى الفنانين و الرياضيين الناجحين في وقت تفشل فيه تلك الدول في توفير سمعة جيدة بسبب غياب كل ما هو جميل في الوقت الحاضر.
هل كان لدينا شخصيات جزائرية ناجحة و بارزة يراها الإعلام في تلك السنوات؟ ربما كانت أسماء زعماء الإرهاب أكثر تداولا من أي شخصية كانت.
في وقتنا الحالي، أفضل أن يقال عن الجزائر بلد الشاب خالد عوضا عن بلد الحراقة أو بلد الجنرالات، أو ربما بلد التناقضات، نكاد نأخذ هذا اللقب من الهند.

المطلوب، البقاء حيا حتى سن الــ18

بعض المسؤولين بالجزائر يستحقون محاكمتهم كما يحدث مع مجرمي الحرب بسبب قوانينهم الغبية الظالمة، و التي تقتل المريض بطريقة غير مباشرة، أو على الأقل تزيد من معاناته.
ما هو جزاء وزير مسؤول عن التضامن و عن الحماية الاجتماعية و الفئات المحرومة، يحرم الأطفال المرضى بالسرطان من منحتهم الشهرية ومن رقم التأمين؟ هو يحرمهم من العلاج و يزيد من معاناتهم و من معاناة أوليائهم.
هو يعلم أولياء الأطفال المرضى التسول والتنقل بين المساجد والجمعيات الخيرية من أجل توفير الدواء لأولادهم المرضى، وأي مرض؟ إنه السرطان.
هل يمكن أن يقال عن دولة بها مثل هذا الوزير أنها تحترم حقوق الإنسان؟
الغبي أو المنافق فقط من يقولان ذلك.
الطفل المصاب بالسرطان في الجزائر لا حق له إلا في العلاج الكيميائي و العلاج بالأشعة، وباقي الأمور التي يتطلبها العلاج يجب دفعها من جيب أولياءه إذا كان متوفرا لديهم، وإلا عليهم التدرب على فنون الاقتراض والتسول.
نموذج واقعي ومضحك مبكي في نفس الوقت لقوانين وزارة تدعي التضامن وهي أبعد ما يكون عن الرحمة والتضامن.
يقول القانون الموقر لهذه الوزارة بأن المنحة تعطى فقط للطفل المعاق ذهنيا أو حركيا بنسبة مئة بالمئة، وبالتالي فالطفل المصاب بالسرطان لا يعتبر طفلا معاقا، وعليه يجب أن يصبر لحين وصول سنه إلى الثامنة عشر لكي يتمكن من الاستفادة من المنحة ورقم التأمين. طبعا إذا كتبت له الحياة إلى غاية وصوله لتلك السن، ولا داعي لذكر عدد الأطفال الذين يفارقون الحياة كل شهر بمصلحة الأطفال بسبب السرطان.
هذا المرض قاتل، الكل يعلم ذلك، ولا مجال لتغطية هذه الحقيقة، لكن قسوة هذا المرض لم تشفع للأطفال المصابين به لدى وزير التضامن وفريقه المحترم لكي يعدلوا من هذا القانون الظالم.
ماذا يفعل نواب البرلمان الأشبه بالجواري والغلمان في القصور الملكية، هم لا يتحركون إلا بأوامر أسيادهم، كان الأولى بهم السعي لتغيير قوانين الحماية الاجتماعية الظالمة، من المفروض أنهم ينقلون مشاكل وانشغالات الناس إلى السلطة، لكن ما يصلنا من أخبار وإشاعات عنهم، يؤكد بأنهم منشغلون عن هموم الشعب بالتنقل بين الفنادق وتقسيم أوقاتهم الثمينة بين الأكل المفرط والسياحة العشوائية و انتقاء العاهرات الجميلات، وملئ الجيوب قدر الإمكان قبل انتهاء العهدة.
أين هي الجمعيات و منظمات ما يسمى بالمجتمع المدني؟ أم أنها هي الأخرى منشغلة بجمع الفتات وملئ الجيوب؟
من يجعل المسؤول في هذه البلاد يغير القانون الظالم بدون أن نرى فوضى وحرقا لإطارات السيارات و قطعا للطريق؟
تعود هذا الشعب وعودته حكومته أن لا شيء يتغير بدون فوضى وأعمال شغب.

مهزلة حفاظات الكبار

حفاظات الكبار أصبحت نادرة في جزائر العزة و الكرامة لدرجة استقدامها من الدول المجاورة، و خاصة تونس، الدولة الشقيقة التي تنعم بالأمن و الوفرة في كل شيء قابل للاستهلاك.
و الجزائر كادت أن تكون مثلها في الوفرة لولا العشوائية و الفوضى التي أصبحت هي السمة الغالبة في كل شيء موجود على هذه الأرض المرتوية بدماء الشهداء فيما مضى، و الآن هي ملك فقط لفئة قليلة تتفرج على معاناة الناس، و ربما تتلذذ برؤيتهم يتهافتون و كأنهم في يوم الحشر من أجل كيلو بطاطا أو علبة دواء أو حفاظة كبار تحفظ للمريض كرامته أمام عاملات المستشفى، و لا داعي للتذكير هنا بأن السجون أصبحت في بلادي أكثر رفاهية من المستشفيات، إنها حقوق الإنسان بالمنظور الجزائري الخلاق.
حفاظات الكبار تستقدم الآن من تونس و فرنسا بالعملة الصعبة، لأن مسؤولين أغبياء منعوا دخولها بطريقة عشوائية دون توفير البديل الذي يسمح بدخولها بطريقة قانونية منظمة، أو دون التأكد أولا إن كانت الكميات المنتجة محليا تكفي كل مرضى الجزائر المقعدين على فراش المعاناة في انتظار صدقة بالعملة الصعبة، صدقة لشراء حفاظات تسمح لهم بقضاء حاجاتهم دون إزعاج الآخرين.
من قبل كنت أجمع المال لشراء هذه الحفاظات من أقرب محل بالمدينة، الآن يجب عليّ أن أبحث أولا عن سائق تاكسي طيب القلب يقبل إحضارها لي من تونس، و بعدها يأتي جمع المال.
اعتدنا في هذه البلاد أن نبرر ندرة أي منتوج هام أو تافه، بأنه أمر مقصود بسبب إنشاء مصنع جديد يملكه جنرال كبير ينتج نفس المادة النادرة.
لا زلت أنتظر هذا الجنرال أو المسؤول الكبير الذي سيغرق السوق الجزائرية بحفاظات الكبار، لكن بدون جدوى.
إلى أين يريدون للوضع أن يصل؟ ماذا بعد ندرة حفاظات الكبار؟ و قبلها كانت ندرة أدوية كثيرة هامة لا يوجد بديل لها في السوق و في المخابر و المصانع المحلية.
إلى أي حد يمكن أن يصل صبر هذا الشعب؟ أم أن الفرحة التي صنعتها كرة القدم جعلته يصدق فعلا أنه يعيش مرحلة عزة و كرامة؟
لاعب كرة القدم وجد من يعيد له كرامته، فمن يعيد كرامة المريض المقعد؟

الافتراضيون أكثر توهجا

أصدقاء الواقع يفقدون مكانتهم، على الأقل في أيام الرخاء. لأننا في الأيام القاسية نعود إليهم حتما.
لكن، في أوقات السراء، أصدقاء العالم الافتراضي أكثر توهجا و جذبا من أصدقاء الواقع أو الأصدقاء الذين نلتقي بهم و يلتقون بنا، و يكون تفاعلنا معهم مرئيا و مباشرا و معاشا لحظة بلحظة و وجها لوجه.
أصدقاء الحي و الدراسة و العمل و المدينة يفقدون مكانتهم في حياتنا الاجتماعية اليومية، و أصبح وهجهم يبدو ضعيفا مقارنة بأصدقاء الانترنيت الذين يكون تألقهم كبيرا و وهجهم مرتفعا و تحيط بهم هالة مضيئة تجعلنا مثل فراشات الليل ننجذب إليهم، و ذلك كله على حساب أوقاتنا الثمينة التي يمكن قضاءها مع أسرنا و مع أصدقاء الواقع.
أنا أيضا قد أملك توهجا كبيرا على صفحات الانترنيت لا يقابله توهج على أرض الواقع، و الكثيرون مثلي طبعا، باستثناء المشاهير الذين تكون شهرتهم طاغية جدا.
ما أسهل الحديث عن الأعمال الإنسانية على صفحات الشبكة العنكبوتية، و ما أصعبه و أقساه على أرض الواقع لما نقرر الإخلاص مدى الحياة لتلك الأنشطة.
على الانترنيت نكون كما نريد، نملك الطيبة و الكرم و التواضع و اللطف و نتحكم في الغضب و نكظم الغيظ، و ننشر الصور التي نراها مناسبة فقط و التي تكون فيها "فوتوجينيك".
على الانترنيت نتبنى القضايا التي نشاء، و نروج لتلك القضايا كما نريد، و نتخذ المواقف التي نراها مناسبة لصورتنا المتوهجة على صفحات الانترنيت.
قد تكون هي نفسها القضايا التي نكافح من أجلها في الحياة الحقيقية، لكن الاختلاف يكون في نوعية و درجة الاندفاع للقضية نفسها على النت و على أرض الواقع.
شجعان الانترنيت قد لا يكونوا كذلك في المعارك الواقعية.
المطلوب هو إحداث توازن بين حياة النت و حياة الواقع، و لا مجال للحديث عن مقاطعة الانترنيت، و يطالب بذلك فقط من لا يزال يعاني من أمية رقمية، و لم يبحر في عالم الانترنيت.
لكن عدم التوازن في الأمر يجعلني أحزن فعلا على صديق حميم يقطن بنفس المدينة و لقاءاتي معه لا تكون إلا على صفحات الفايس بوك أو الماسينجر.
هناك المدمنون المتطرفون على النت، ممن جعلهم إدمانهم يفقدون أسرهم و عملهم، و هم قليلون مقارنة بنا نحن المدمنون إدمانا خفيفا لا يتطلب طبيبا لكن يتطلب تعقلا كبيرا منا و جهدا كبيرا لإحداث توازن بين أصدقاء النت و أصدقاء الواقع.
لا أدري هل التسمية صحيحة أم لا؟ ربما أهل الاختصاص يمكن لهم إفادتنا بهذا، لكني رأيت بأن أحسن تعبير عن هذه القضية هي تلك المصطلحات، أصدقاء النت و أصدقاء الواقع.
و قد يتحول المنتمون للمصطلح الأول إلى الثاني و العكس صحيح. هناك أمثلة عن أصدقاء كان الانترنيت سببا في تعارفهم و أصبحوا إخوة في السراء و الضراء رغم قلتهم، و قد يحدث العكس كما سبق و ذكرت، صديق بنفس الحي نتواصل معه بالانترنيت.
الانترنيت اليوم مثله مثل التلفزيون و الهاتف النقال، هل يمكن تصور حياتنا من دون كل تلك الأجهزة؟

"التطفل" على مهنة القلم، ماذا يعني بين أجيال الكتابة؟

سأكون متطفلا و دخيلا

تهمة التطفل أصبحت تطلق على كل من يتجرأ على رفع القلم وكتابة ما وصل إليه متسواه اللغوي والفكري، وكل من يفعل ذلك هو دخيل على ميدان الكتابة بدون تمييز.

التهمة توجه إلى الكاتب الجديد من طرف كتاب قدماء أو أشباه قدماء، قد يكونون من الرواد ومشاهير الكتاب، وقد تكون أسماؤهم بالكاد معروفة، لكنهم يرفضون أن تفتح باب الكتابة لأحد آخر بعدهم، مع أننا في زمن الأبواب المفتوحة دائما، في عصر الانترنيت والمدونات والمنتديات والمواقع الإلكترونية المجانية، والكثير من هذه المواقع جدير بالاحترام لأنها لا تتطلب واسطة أو تزكية للنشر، فتأشيرة مرورك هي أسلوبك في الكتابة ومحتوى كتاباتك.

هناك من يزعجه تلاشي الاحتكار في زمن الانترنيت، بعضهم يفضل بقاء احتكار الجرائد الورقية ومطابع الكتب لكل حرف وكلمة، مع أن الكثير منهم استفاد من شبكة الانترنيت كثيرا قبل أي أحد آخر.

كل مجال في الحياة تجد فيه الرجل المناسب في المكان المناسب، وتجد فيه أيضا الدخيل و المتطفل، حتى في ميدان الدين والوعظ والإمامة، وفي مجال الأعمال الخيرية والنشاطات الاجتماعية أيضا، ليس كل من زار طفلا مريضا في المستشفى هو فاعل خير، قد يكون مهووسا وجد ضالته في جمعيات الأطفال ليترجم مرضه النفسي، و قد يكون محتالا مختلسا وجد في أموال الجمعية إشباعا لطمعه وخسة نفسه.

ميدان الكتابة أيضا، فيه الدخلاء، لكن من الغريب أن تطلق صفة التطفل على كل من يحمل القلم لأول مرة، وكأن المساحة لا تتسع إلا للقدماء، والشباب يجب أن يبقوا مجرد قراء حتى لو كانوا موهوبين، أو أن الشباب الموهوب الذي يفتقر للواسطة والتزكية يجب أن يبقى مغمورا طيلة حياته؟

بعض المحتكرين لا يرحمون ولا يتركون رحمة الله تنزل، ويتعمدون تجاهل المادة الموضوعة أمامهم والمكتوبة من طرف متطفل جديد، حتى لو كان موهوبا جدا واعترف له الكثير من القراء وأصحاب الاختصاص بذلك.

كما أن بعضهم إذا ساعدك ينتظر منك أن تكون إنسانا آليا يسير وراء أوامره و يمجد بحمده أين ذهب.

كما أن بعض المحتكرين يطبقون احتكارهم على فئة دون الأخرى، فالكاتبة الجديدة المتساهلة جدا في الكلام و التصرف و المعاملة و كل شيء آخر، أكيد لن تلقى العراقيل التي تجدها زميلتها التي ترفض تقديم شيء عدا كتاباتها، أو كاتب جديد لا يجيد فنون التملق و التقرب من أصحاب القرار في النشر.

و مع ذلك فالميدان لا يخلو من النبلاء، الذين لا تعلم يسارهم ما قدمت يمينهم من خير و دعم للشاب الجديد المتطفل.

الجميل في شبكة الانترنيت أنها واسعة جدا، و دائما تجد فيها خيارات كثيرة جدا، خيارات لا تتوقف أبدا ما دامت الحياة موجودة، و لن يكون هناك احتكار أبدا في زمن الانترنيت.

علمانيون أم صعاليك؟

كل مجال أو نظرية أو تنظيم في الحياة، فيه نماذج سيئة تسيء إليه وتمنحه معنى مختلف تماما عن الذي يجب أن يكون عليه، وتأخذه تلك النماذج بعيدا عن المبادئ الأساسية التي نشأ عليها ومن أجلها.
الأمر نفسه يحصل مع العلمانية، وحصل من قبل ولا زال مع التيارات الإسلامية التي شوه أصحابها الإسلام بما فيه الكفاية.
العلمانية أيضا لقيت من التشويه ومن الحياد عن مبادئها ما يجعلها في نظر عامة الناس مرادفا للعربدة والتصعلك و المشاعية الجنسية، وأحيانا كثيرة مرادفة للكفر نفسه.
ليس دفاعا عن العلمانية، فلها مفكروها ومنظروها وهم أجدر وأقدر على الدفاع عنها، لكن من الظلم أن نجد كل من يريد معاقرة الخمر والغرق في المتعة الجنسية مع العاهرات يدعي العلمانية و ينادي بها، تماما مثلما نجد الفاشلين والمعقدين نفسيا يتجهون للتيارات الدينية للاحتماء بها وإخفاء فشلهم و ممارسة انطواءهم باسم الدين.
أعرف أشخاصا يحسبون أنفسهم من النخبة والطبقة المثقفة، ويصنفون أنفسهم كعلمانيين، لكن علمانيتهم يمارسونها فقط داخل الحانات وبيوت الدعارة، وبعضهم لا يفرق في متعته الجسدية بين الذكر والأنثى والصغير والكبير، أما عند النقاش معهم، فهم أكثر احتكارا للفكر والحقيقة من الإسلاميين المتطرفين، ويمارسون على معارضهم إرهابا فكريا يجعلك ترى نفسك أكبر رجعي على وجه الأرض.
بعضهم وجد راحته في علمانيته لكي يرتاح من كل التكاليف التي يفرضها عليه دينه أو تمليها عليه تقاليده وعاداته، وكيف يؤمن بالعلمانية من لا يؤمن بحرية الفكر والاعتقاد، ويرى الحقيقة من زاويته الضيقة فقط، ويرفض الحوار ويبتعد عن التسامح ويغلق باب الأفكار الأخرى.
بعضهم وجد راحته في علمانيته لكي يستمر في أفكار مستعمره، والعلمانية لا تعني أبدا الفرونكوفونية، ولا تتطلب أبدا تمجيد فرنسا أو أميركا، كما أن تطبيق العلمانية يختلف من دولة لأخرى، وتجارب الدول المختلفة يثبت هذا.
ما المانع من أن يكون الفرد علمانيا عفيفا متخلقا عابدا لربه، وفي نفس الوقت منفتحا على العالم وعلى الأفكار والديانات الأخرى، من دون انصهار أو إقصاء، أم أن العلمانية تلغي العفة؟ أو التدين يلغي التسامح ويغلق العقل؟
بعض المثقفين المحسوبين على تيار العلمانية يتعمدون في كتاباتهم التشبه بأبي نواس سواء في شعرهم أو نثرهم، وكأن الإبداع لا يكون إلا بوصف تفاصيل جسد المرأة أو تسمية عورات الإنسان واستخدام لغة المراحيض.
لست أطالب بإقصاء وقمع المبدعين، وموقفي ليس دعما للرقابة الفكرية، لكن من الظلم أن تكون أغلب لغة المحسوبين على العلمانية هي فقط مجون و جنس وخمر، ومن المؤسف أن يكون خطابهم مركزا فقط على غرائز الجسم، و إن كانت هي غرائز حقيقية و موجودة لدى كل إنسان.
هل كل ما هو موجود في الحياة يجب أن نكتب عنه و نصفه؟ و بأي طريقة يكون الوصف؟ ولمن يوجه ذلك الإبداع؟
ربما هذا موضوع آخر لا يتسع المجال له الآن.
العلمانية قبل كل شيء هي عدل و حرية اعتقاد، وليست عشوائية في ممارسة الرذائل وذريعة للابتعاد عن الأخلاق والفضيلة.

يوميات عامل اجتماعي

الحادثة التي سأكتب عنها الآن، لم يمر على حدوثها إلا بضعة أيام.

حيث و بسبب التعب الشديد و ضغط العمل الاجتماعي و عدم تمكني من الظفر بعطلة سنوية كأغلب زملائي، و بسبب شعوري باستنفاذ كل طاقتي، و بسبب شعوري بعدم الرضا عن تفريطي في أمور أخرى بسبب ضيق الوقت و عدم وجود عطلة، كل هذا جعلني عصبيا جدا مع الزملاء و مع المواطنين، و من المستحيل تجنب هؤلاء، فلا عمل بدون زملاء و بدون مواطنين.

و دائما هناك القطرة التي تجعل الكأس يفيض، قطرتي أنا هي ذلك المواطن ثقيل الدم جدا جدا جدا، و الذي لا يرضى أبدا حتى و لو ذبحت نفسي أمامه و جعلت دمي يسيل……..

هذا المواطن يعتبر نفسه ساعيا للخير، و هو لا يدري أنه بسعيه هذا يجعل أعصابي تحترق في كل مرة يزور فيها المكتب.

لدى هذا المواطن أقارب مسنون و معاقون يتقاضون منح العجز و الإعاقة، و في كل مرة يأتي فيها نحاول جاهدين إرضاءه لأننا أولا موجودون في ذلك المكتب لخدمة كل من يدخل له و يكون في حاجة لنا، و ثانيا تكون سرعتنا في خدمته لكي يسارع هو في الخروج من المكتب و يكف لسانه القاسي عن إسماعنا كلاما يحرق البدن و يثير أعصاب أكثر الناس بلادة.

منذ بضع أيام أتى هذا المواطن لاستخراج وثيقة تتعلق بأحد أقاربه المعاقين، و من المستحيل أن تكون تلك الوثيقة جاهزة في أقل من أسبوع، لأنها تمر على المديرية و بعدها تعود إلى مكتبنا، و من المستحيل أن تكون جاهزة في نفس اليوم حتى لو تعاطف مع ذلك المواطن كل الموظفين و العمال، فالإجراءات الإدارية البيروقراطية تكون في الغالب أقوى من الموظفين العاديين، لذلك أسعى دائما إلى استخدام الاتصال غير الرسمي عبر موظفين آخرين بمختلف الإدارات و المديريات لكي أخفف من سيطرة و ضغط و أثر الإجراءات البيروقراطية و مناهج العمل الإداري البدائي.

و لا أنكر هنا بأني أجد دائما مساعدة كبيرة من الجنس اللطيف، و الذي يثبت في مثل هذه المواقف أنه لطيف فعلا.

لكن قد يحدث أن يكون حظي مع الرجال و ألقى منهم مساعدة كبيرة جدا.

المهم، نعود إلى مواطننا ثقيل الدم، بكل بساطة و بدون إطالة، في المرة الأخيرة التي زارنا فيها هذا المواطن جعل كأسي تفيض بسبب إصراره على استلام الوثيقة في نفس اليوم، استفزني كثيرا بكلامه القاسي و لجهته الساخرة، فأخذ صوتي يعلو و أعصابي الثائرة أفقدتني عقلي و طردته من المكتب و رميت له الوثيقة فارغة على الأرض.

شتمني هو و استمر في إهانتي، و هدد بتقديم شكوى للمسؤولين، قلت له كأغلب الجزائريين لما يعبرون عن عدم خوفهم من المسؤول: "إذهب حتى إلى بوتفليقة"…….من قبل كنا نقول: "اذهب حتى إلى زروال"….و قبلها كنا نقول: "اذهب حتى إلى الشاذلي"….

فرؤساء الجزائر دائما حاضرون خلال فترات غضبنا.

لم يستمع له المسؤولون و لا الموظفون الآخرون، فقد قالوا له بأن "جمال الدين" لا يخطئ في حق المواطن إلا لما يستفزه أو يأمره أو يشتمه المواطن، لكنهم همسوا في أذني بأن أنجز له الوثيقة.

لكنهم لا يعلمون بأني أقسمت بالله بأن لا أنجزها أبدا، لا بعد أسبوع و لا شهر أو سنة.

بقيت حائرا في أمري، فمن المستحيل أن أترك نفسي سببا في تعطيل مصالح الناس عامة و خاصة العجزة و المعاقين.

قمت باستشارة صديق لي، هو أستاذ في علوم الشريعة و إنسان ذو علم و ثقة.

أرشدني إلى إطعام عشرة مساكين و إنجاز الوثيقة.

سعادتي كانت كبيرة لأني لن أعطل مصالح ذلك المواطن، و كذلك لأني سوف أمارس أكبر متعة لي في الحياة، و هي الإنفاق.

قمت فورا بتنفيذ ما طلبه أستاذ الشريعة، و ليس صعبا عليّ أبدا أن أعثر على عائلة فقيرة، ربما العثور على عكسها هو الأصعب.

و وثيقة ذلك المواطن جاهزة، فقد مر على هذه الحادثة أسبوع، و قد سلمتها له بنفسي لكن من دون أن يعتذر أحدنا للآخر.

لو كتبت عن ما يشبه هذه الحادثة، سوف أخصص لها مدونة لوحدها. و في الغالب لا أتصرف بذلك الشكل، خاصة مع العجزة و المعاقين ذهنيا، أبقى أستمع للشتائم حتى يتعبوا هم من الكلام، فيخرجوا من تلقاء أنفسهم.

نحن ندفع ثمن البيروقراطية الموجودة، و المعاملات الإدارية البدائية، و قبل كل هذا، ثمن قوانين الحماية الاجتماعية الظالمة، التي لا تحمي أبدا.

كفاكم منا على الجزائر

قد يكون الكلام السخيف الذي تفوه به عمرو أديب خلال حديثه عن الجزائر سببا لكتابة هذا المقال، لكنه أكيد ليس السبب الوحيد، فعمرو أديب لا يستفزني أبدا للرد عليه و هو الذي لم يرضى عليه حتى أبناء بلده، و قد سبق و أخطأ في حق فريق بلاده الكروي، و ليس هو من يعطي رأيه في الجزائر و الجزائريين. و إن كنت أيضا غير راض على العداء الكروي المتبادل بين مصر و الجزائر، و الذي تحول إلى عداء و كره حقيقي من الطرفين، و أصبحت أنا بدوري أكره مناصري الفريقين، حيث حولوا التنافس الكروي إلى عداء يفوق عداء إسرائيل لفلسطين. و قد ألوم مناصري بلدي على التمادي في كرههم، و مناصري الفريق المصري على غرورهم و عدم اعترافهم بالواقع و رفضهم للحقيقة و تغطيتها بتحليلات المختصين الملفقة.

لكن الأمر لا يتعلق فقط بكرة القدم، ما يشكل بالنسبة لي سببا أكثر لكتابة هذا المقال، هو تعدد و تكرار سماع أصوات من يذكرنا بفضل بلده على الجزائر، عمرو أديب قال بأن مصر حررت الجزائر، و قالها غيره كثيرون، و الإخوة بالسعودية ابتدعوا لنا موضة الفضل السعودي على الثورة الجزائرية هذه الأيام، و كأنه لا يكفينا أن الإعلام العربي المتملق يمجد هذه الدولة الشقيقة و يسبح بحمدها و يعدد أفضالها على المنطقة العربية، لتخرج لنا موضة مساعدة السعودية للجزائر، لا تظلموا المملكة، لكن لا تعطوها أكثر من حجمها أو تمجدونها على أشياء لم تفعلها.

إن كانت فعلا هناك صدقات لدول عربية للجزائر خلال ثورتها على المستعمر الفرنسي، فلا يجب أن يتبع هذه الصدقات من و أذى، و إلا فماذا ستقول الأردن و سوريا و دول عربية أخرى لفلسطين بسبب مساعدتها لها؟ أم هل نحول اللاجئين الفلسطينيين إلى عبيد لنا بسبب مساعدتنا لهم؟

نفس الشيء يقال عن الجزائر، مساعدة بعض الدول لنا خلال ثورة التحرير لا تعني أننا نقبل بكل شيء من تلك الدول.

قد تكون هناك جوانب للموضوع أكبر مني بكثير و لا يمكن لي الخوض فيها بسبب تواضع ثقافتي السياسية و التاريخية، لكن ما أنا متأكد منه أنه لا يجوز المن في إعلام دولة على دولة أخرى، و إن بدأنا في تبادل التهم و سلبيات كل بلد و مجتمع، فكلنا خاسرون في النهاية، لأن بلداننا و مجتمعاتنا كلها ملئ بالعيوب كما بالمحاسن طبعا، و سيجد كل واحد منا في بلده على الأقل شخصا حقيرا يجب نفيه لكي تكون البلد في صورة مشرفة، سواء كان هذا الشخص حاكما، مسؤولا، أو مواطنا عاديا.

الفهد الوردي في نسخته الجزائرية

يبدو أن الرسوم المتحركة الشهيرة بالفهد الوردي قد ألهمت وزير التربية بن بوزيد لكي يفرض على تلاميذ الجزائر محاكاة الفهد الوردي و عدوه، فمنظر التلاميذ في الطرقات و هم منقسمون إلى فريق الذكور باللون الأزرق و فريق الإناث باللون الوردي ذكرني مباشرة بإحدى حلقات الفهد الوردي المعروفة، و التي يتنافس فيها هذا الفهد الظريف مع عدوه حول أي الألوان أفضل، الوردي أم الأزرق، لنرى منافسة بين لونين اثنين اكتست بهما الشاشة طيلة تلك الحلقة.

و إن كان الفهد الكارتوني و عدوه قد اتفقا مسبقا على تدرج واحد لا يتغير للون المختار، فإن وزير تربيتنا و من معه تركوا تجار و أبناء الجزائر و أولياءهم محتارون أي تدرج من تلك الألوان يختارون؟ و العملية كلها جاءت متأخرة، و التعليمة التي صدرت في أقل من عام جعلت الكل محتار، و كبدت أغلبية التجار خسائر كبيرة، أما الأولياء فسخطهم و شتائمهم الموجهة للمتسببين في هذه الخالوطة كانت بكل الأشكال و الألوان، و لم تكن مجرد شتائم وردية، و أضحى العثور على قطعة قماش زرقاء أو وردية أشبه بالبحث عن لبن العصفور.

و كأنه لا تكفينا كل الكوارث التي تقترف في حق تلاميذنا، لكي تظهر لنا موضة المآزر الوردية و الزرقاء، و كأن كثافة البرنامج و حشوه بما يلزم و لا يلزم لا تكفي، و كأن اكتظاظ المدارس لا يكفي، أو أن غلاء المعيشة بما فيها الأدوات المدرسية و ملابس الأطفال ليست كافية لاستفزاز الأولياء المساكين، أم أن جرائم البيدوفيلي المتفاقمة في حق تلاميذنا لا تكفي لكي نشهد هذا العام مهزلة الفهد الوردي في أبشع صورها.لا أدري هل هذا القرار هو حنين للفترة الاشتراكية، أم تطبيق خاطئ للحديث النبوي القائل "الناس سواسية كأسنان المشط"، فربما أرادت وزارتنا المساواة بين أبناء الشعب في المآزر، بينما الأولى تحقيق المساواة في جوانب أخرى جوهرية و توفير الحق في الحياة و الطعام و الدواء.

بتحليلي البسيط جدا، و رأيي المتواضع، لا أجد أمامي إلا نظرية المؤامرة على الشعب أو نظرية عبثية إصدار القوانين كتفسير لقرار المآزر الوردية و الزرقاء و مثيلاتها من القرارات الإدارية التي تجعل وثيقة بسيطة تحتاج لاستخراجها إلى تكوين ملف ثقيل جدا، و لا مجال هنا للوقوف أمام الأمثلة الكثيرة للهث المواطن المتكرر يوميا من أجل أمور بسيطة بسبب قوانين سخيفة لا تقدر قيمة المواطن كإنسان له احترام حقيقي و له حقوق يجب أن تعطى له على أرض الواقع، و ليست كحقوق الإنسان التي تقال لنا في المناسبات، بينما هي غائبة عن حياة المواطن اليومية.إن كان الفهد الوردي في نسخته الأصلية مسليا جدا و مضحكا لدرجة كبيرة، فهو في نسخته الجزائرية و بفضل وزارة التربية أصبح كوميديا سوداء تصيب متتبعها بأمراض القلب و الضغط و السكري.

جريدة الخبر الأسبوعي - العدد: 553

كلام غير مقنع

كنت أنتظر من مسلسل "كلام نسوان" اقترابا أكثر من واقع المرأة العربية الحقيقي، و من المجتمع المصري الحقيقي، بما فيه المخملي أو الهامشي، و لكني وجدت نفسي أمام نسخة مشوهة من المسلسل الأمريكي الشهير Desperate Housewives، و اقتباسا لبعض حكاياته و مشاكله، و لبعض بطلاته أيضا.

الشيء المقنع الوحيد في مسلسل كلام نسوان هو بطلته الأولى "لوسي"، الموهوبة جدا من بين كل راقصات مصر اللواتي اقتحمن عالم التمثيل، و التي أثبتت نفسها في الدراما التلفزيونية كما في السينما، لوسي كانت الوحيدة التي يمكن متابعة كلامها من بين زميلاتها الثلاث الأخريات المتحدثات كثيرا في كلام نسوان، رغم أن لباسهن و أناقتهن كانت حاضرة بقوة على حساب تمثيلهن.

الخطأ الأكبر للمسلسل هو مغنية الفوركاتس مي دياب، التي لا علاقة لها بالتمثيل، فقد كانت مجرد عارضة أزياء تتجول طيلة أحداث المسلسل لترينا جسمها الجميل، مع أن لوسي أيضا تمايلت بجسمها كثيرا خلال المسلسل لتثبت لنا محافظتها على قوامها رشيقا رغم سنوات عمرها الكثيرة.

نادين الراسي أيضا كان بالإمكان استبدالها بأخرى تجمع بين الجمال و الموهبة، و نفس الأمر بالنسبة لفريال يوسف، و إن كانت هذه الأخيرة قد تنفع معها التوجيهات و دروس التمثيل، لأنها أحيانا تبدو مقنعة.

مسلسل كلام نسوان لم ينقصنه شيء سوى الاختيار الأنسب لبطلاته، و كان عندها يمكن أن يكون مميزا و لو بمشاكله الوهمية البعيدة عن واقع المجتمع المصري.

الطبقة الغنية في أي مجتمع كما في المجتمع المصري هي أمر حقيقي موجود، لها مشاكلها التي تشبه مشاكل الطبقة البسيطة أحيانا و تختلف عنها أحيانا أخرى، لكن تبسيط بعض المشاكل في الدراما و تضخيم مشاكل أخرى، يجعل الأمر و كأننا نشاهد أفرادا يعيشون في المريخ و ليس على كوكب الأرض، و هذا هو الخطأ التي وقعت و تقع فيه الدراما المصرية في الكثير من أعمالها، رغم ما يصحبها من بهرجة و تهويل إعلامي و دعاية و صحافة فنية مجندة، لأن الوسط الفني المصري و نجومه لديهم من التألق و جذب الأضواء ما لا يتوفر لدى الوسط الفني السوري أو الأردني أو الخليجي.

لكن و مع ذلك، الدراما السورية مثلا هي أقرب إلى الواقع و إلى معالجة القضايا بمنطقية و بعين الحقيقة، و كأن القائمين على الدراما المصرية يفترضون دائما أن الجمهور ساذج و بسيط و يقبل منهم ما كان يقبله في السبعينيات و الثمانينيات من القرن الماضي.

كنت أتمنى لو كان كلام نسوان مسلسلا عن ربات البيوت العربيات، الغنيات و الفقيرات، المتعلمات و الأميات، كنت أتمنى لو كان عن حياتهن و معاناتهن، رغباتهن و أحلامهن، لكن يبدو أني بأمنيتي هذه أحمل أصحاب هذا العمل الدرامي أكبر مما يمكن أن تصل إليه أنظارهم.

حزب الله يدخل من باب الحارة

البروز القوي لفكرة المقاومة في قصة مسلسل باب الحارة في جزئيه الثالث و الرابع، فتحت المجال واسعا لكي تصبح قصة المسلسل مقبولة بل و مطلوبة جدا لدى قناة المنار الممثل الإعلامي لحزب الله.

و يبدو أن أي عمل فني يحوي ما له علاقة من بعيد أو من قريب بفكرة مقاومة المستعمر، يلقى قبولا و ترحيبا كبيرا لدى القائمين على هذه القناة، و هذا ليس عيبا أبدا أن تتبع القناة ما يتماشى مع خطها الافتتاحي الذي أنشئت من أجله.

لكن، ما يجعلني محتارا قليلا، هو أن الغرض الأول من مسلسل باب الحارة هو الربح و التسلية الرمضانية المحترمة، و هذا أقصى ما قد تصل له قناة أم بي سي و مجموعتها الإعلامية الضخمة و الرائدة في مجالات كثيرة.

فمن غير المعقول أن يكون غرض القائمين على إنتاج المسلسل بالأم بي سي هو إحداث تلك المقاربة بين وضع المقاومة في يومنا هذا و بين وضعها في السابق، و إن كان كذلك، عن أي مقاومة يجب أن تكون المقاربة، مقاومة حزب الله بلبنان، أم مقاومة حركة حماس بفلسطين، و المعروف أن قنوات أم بي سي هي أبعد ما يكون عن الخط الذي تسير عليه تلك الحركات بكل إيجابياتها و سلبياتها، بل أن قناة العربية الإخبارية يتهمها البعض بمعاداة حزب الله و حركة حماس.

قناة المنار احتضنت باب الحارة و استقبلت في إحدى برامجها الخاصة بالعيد بعض أبطال الجزء الرابع إضافة إلى كاتب هذا الجزء "كمال مرة" و مدير مجمع القرية الشامية المحامي "نعيم الجراح"، و كان الحديث الرئيسي للحوار هو عن فكرة المقاومة في المسلسل.

لا أدري هل يتحول مسلسل باب الحارة من عمل درامي رمضاني يدر الملايين على قناة أم بي سي السعودية إلى سلاح إعلامي و لو بسيط في يد قناة المنار و حزب الله.

و هل بسبب هذا الانحراف الذي قد يحدث في هدف و دور المسلسل جراء احتضان المنار له، قد نشهد تغيرات جوهرية في أحداث الجزء الخامس من المسلسل؟ ربما السؤال يبدو سابقا لأوانه، لكن التحضير للأعمال الرمضانية المقبلة يبدأ عند البعض من الآن، بعد العيد مباشرة.

المحجبة في الأعمال الفنية، بين التقديس و التشويه

في السابق، لم نكن نرى المحجبة في الأعمال الفنية العربية، سواء في الأفلام أو المسلسلات، و كان غطاء الرأس يظهر فقط في حالة ما إذا كان الدور لشخصية من الريف أو دورا لأم كبيرة في السن، أو خلال مشاهد الجنائز.

اليوم، ظهرت شخصية المحجبة في تلك الأعمال و لكن في شكل القديسة أحيانا، و أحيانا في دور المرأة الفاقدة لتوازنها و سعادتها، و كأن ظروفها السيئة لها علاقة بحجابها.

عودة الفنانات المعتزلات و المحجبات إلى التمثيل، خلق نوعا من أدوار البطولة تكتب لهن خصيصا، لتظهرهن في شخصية المرأة الملتزمة التي تنشر الخير فقط و تساعد الناس، و كأن تلك الأخلاق لا تكون إلا إذا كان الرأس مغطى، و كأن الفنانة المحجبة فعليا و الملتزمة في حياتها الواقعية، حرام عليها تمثيل دور المرأة الشريرة في أعمالها الفنية؟ !!

هي ليست مضطرة لتقديم دور الراقصة أو المومس، فالدعارة ليست هي الشر الوحيد الموجود في الحياة، يمكن أن تقوم بدور الحماة الماكرة، أو سيدة الأعمال المختلسة، أو الموظفة المرتشية، و يمكن أن تقوم بدور الأم العازبة في إطار محترم جدا.

لكن ما نراه في أعمال سهير رمزي، و سهير البابلي، و منى عبد الغني، و صابرين…. و أخريات، هو تقديمهن لأدوار الوعظ الأخلاقي، ألم يكن الأجدر بهن تقديم برامج وعظ مباشرة على قنوات الدين التي تكاثرت مثلما تكاثرت أيضا قنوات الغناء الهابط، الأولى تسطح الدين، و الثانية تجعل الفن شيئا تافها جدا تنطبق عليه فعلا صفة الحرام.

أعمال فنية أخرى، و من منطلق رفض الحجاب رفضا مطلقا من طرف كاتب العمل أو مخرجه، تقدم المرأة المحجبة في شخصية مهزوزة و معقدة أو متطرفة، غير راضية على نفسها و على حياتها العائلية، أحيانا قد يكون سبب ارتداءها الحجاب في هذه الأعمال هو الظروف القاسية التي مرت بها، و ليست الأعمال المصرية فقط من تقدم هذه الصورة، بل الدراما السورية أيضا في بعض أعمالها.
ربما عبلة كامل هي الممثلة المحجبة الوحيدة التي لا تقدم أدوارا مثالية وعظية، و تمثل كل الشخصيات.

و ما المانع من أن تقوم ممثلة غير محجبة في الواقع بتقديم دور بطولة لشخصية محجبة، ليست متطرفة، و ليس قديسة، متحجبة ككل نساء و بنات المجتمعات العربية، أغلبهن محجبات، بعضهن متخلقات، بعضهن شريرات، فاسقات، نمامات، ناجحات، فاشلات، خجولات، جريئات، هذه هي الحياة، و هذه هي نماذجها، لماذا الإصرار على تقديم نماذج طفولية للشخصيات تصلح أكثر للرسوم المتحركة، حيث نتعامل مع المشاهد الناضج كما مع الطفل المتلقي بمنطلق الأبيض و الأسود.

الحجاب في وقتنا هذا، أصبح لباسا لخروج المرأة و فقط، أكثر منه لباسا دينيا أو لباسا ذو خلفية إيديولوجية أو سياسية، ربما في سنوات ظهور موجة الإخوان و وصولها في الثمانينات من القرن الماضي، كان الحجاب للمرأة الإخوانية فقط، أما اليوم، فهو رداء لخروج المرأة و تنقلها، أصبح عادة و ليس عبادة. فمتى يفهم أصحاب القرار في عالم الفن العربي هذا الواقع؟

صحوة البوركيني و النقاب

يا ليتها كانت صحوة في المضمون كما هي صحوة في المظاهر، بل و تلكع و غلو و مبالغة في تلبيس كل شيء عباءة الدين و الصحوة، المظهر الإسلامي ليس قشورا، لكن الاهتمام به لهذه الدرجة و الهوس به جعلنا نقول عنه قشورا.

ما يصطلح على تسميته بـ "الصحوة الإسلامية" أصبحت بادية أكثر في أشكال و لباس المسلمين، هذا إن كان فعلا ما يلبسونه هو الشكل النموذجي للمسلم الذي يرضي ربه و يسير على خطى نبيه و يدخل الجنة، لأن أغلبه لباسا أفغانيا للرجال، أو نقابا تنكريا للنساء، ربما قد يكون مفروضا في حالة ما إذا كانت صاحبته تضاحي الحور العين في جمالها و نورها.

ما لي أرى مظاهر التدين تزيد، بينما حال دنيا المسلمين يزداد فسادا، و القلوب تبتعد عن بعضها، و كأنها تطبق عكس الحديث الذي يصف المجتمع المسلم كأنه كالجسد الواحد في ترابطه.

ظاهريا، الصحوة موجودة، لكن في الواقع، الطمع و الجشع و الرشوة و الأحقاد أيضا تزداد بين الناس، الثقة بينهم منعدمة، المساجد ملئ بالمصلين، و القلوب خالية من الرحمة و الإيثار، الأنانية هي المحرك الأول و الوحيد لكل فرد، سواء ارتدى عباءة الصحوة و ركب مركبها، أو تخلف عنه، إذن، أين هو الفرق؟ بين شعوب ما قبل الصحوة و بين ما بعدها؟

صحيح أن عدد المصلين زاد، و انتشرت الثقافة الدينية، و انتشر الدعاة، و أصبح الجميع يعرفون ما هي النوافل، و يسارعون إلى صيام التطوع، لكن في نفس الوقت، نسبة الجريمة زادت، و عدد العاهرات تفاقم كثيرا، و دور العجزة و المسنين ملئ بالآباء و الأمهات ممن رماهم أبناءهم كما ترمى اللعبة بعد الملل منها.

الصحوة في مفهومها النظري شئ جميل، لو كانت فعلا صحوة تعطي للإنسان حقه و قيمته، و تجعله مسلما متمدنا متحضرا يقدس الحديث النبوي القائل "الدين المعاملة".

لكننا من قبل رأينا صحوة منحرفة حولت أغلب المنتسبين إليها إلى إرهابيين متعطشين لدماء كل معارض لهم، و الآن نحن أمام صحوة في المظهر على حساب المضمون، تجعل كل الرجال محجلين بزبيبة طبيعية أو مصطنعة، و النساء كلهن كالخيام السوداء المتحركة.
الصحوة الحقيقية لا تحتاج إلى من تصمم البوركيني عوضا عن البكيني، لأن الفتاة المحجبة عندما ترغب في السباحة تعرف لوحدها كيف تستر نفسها قبل أن تدخل للماء.

و الإسلام لا يحتاج لمن تذهب إلى فرنسا و تصر على البقاء بها و ترفض العودة لبلدها الأم، و في نفس الوقت تصر على التنكر بالنقاب و تطالب بحقها في التخفي، و تبدو في مظهر الضحية، بينما هي قادرة على العودة إلى بلدها الأصلي الذين يدين بالإسلام و يسمح لها بالتنكر طيلة حياتها.

لا أراها صحوة، بل عباءة لبسها الجميع.

لا نحتاج إلى عريكم.. أين أصواتكم؟

الانقلاب الذي أحدثته الموجة الجديدة من المغنيات والمؤديات بقيادة هيفاء وهبي ونانسي عجرم، جعلت الجو الفني كله معجرما كما يقول "محمد هنيدي"، وأكسبت الوسط الفني هيافة لا تناسب الكثيرات، من الأحسن لو تركوها لصاحبتها هيفاء وهبي، التي أثبتت أنها تتمتع بنسبة ذكاء لا بأس بها مكنتها من تصدر قائمة الشهيرات والجميلات ومن تحسين صورتها تدريجيا منذ ظهرت إلى يومنا هذا، ولعل الذكاء الأكبر يتمتع به صانعوها والساهرين على استمرار نجاحها.

ظاهرة هيفاء وهبي ليست بغريبة ولا جديدة بالوسط الفني العربي أو باقي الأوساط الفنية بكل دول العالم، فـكل وسط له كما يقال "اللوليتا" أو "الساكس سامبول"، وهيفاء هي الأنسب لهذا اللقب، والكل متفقون على هذا، سواء محبيها أو معارضيها ممن ينعتونها بأبشع الصفات. لومي الكبير موجه إلى مطربات كبيرات في الصوت والإمكانيات والموهبة، وأحيانا كبيرات في العمر أحيانا، لكنهن ركبن موجة الهيافة وظهرن في أبشع صورهن، فالأصل دائما جميل والتقليد قبيح. بتقليدهن لهيفاء ونانسي وضعن أنفسهن في مواقف "بايخة" على رأي عادل إمام.

لا نحتاج إلى رؤية جسد أصالة ومعرفة تفاصيله، وليس لدينا رغبة في رؤية ديانا حداد تتمايل بلباس لم تكن تلبسه في بدايتها الفنية لما كانت صغيرة، كما أننا لا نملك الفضول للإطلاع على الجزء المخفي من القوام الجميل لرويدا عطية، وزميلتها ومنافستها ديانا كرزون، المطلوب منها هو مواصلة حالة الطرب التي عشناها معها خلال عرض برنامج "سوبر ستار" قبل سنوات، بينما هي تتفنن في تغيير اللوك وتعلم كيفية التمايل وتحريك المؤخرة على طريقة هيفا ورولا سعد.

إن شخصية الفنانة "النغنوشة" لا تناسب كل من تتواجد بالوسط الفني، ولا يكفي أن تحمل الفتاة صفة أنثى لكي يمكن لها التصرف على طريقة اللوليتا، هناك صفات معينة جسدية ونفسية يجب أن تتوفر لكي تستطيع الفتاة الظهور بتلك الشخصية.

ولكن، ما ترفض رؤيته فنانات العرب، هو هذا، الواقع والحقيقة، حقيقة أن الجمهور لما يريد التمتع بجسد إحداهن من العربيات، سوف يبحث عن هيفا بالريموت كنترول حتى يعثر عليها، ولما يبحث عن الطرب فسيجده عند أصالة وفلة وديانا.

أحيانا أظن أن حتى هيفا لا يحتاجها العرب كثيرا، وسط كل هذا الزخم الهائل من قنوات المتعة الماجنة.

أشكالكم متعددة يا جند حزب التكفير

مذيع قناة العربية يتعرى ويدعو لدين جديد عبر صفحته في فيسبوك، بهذه العبارة الساذجة و العدائية اختار صحفي مغمور اسمه "محمد دياب" أن يكافئ صديقنا الإعلامي الفلسطيني المعروف بقناة العربية "محمد أبوعبيد" و مقدم أحد أبرز برامجها "صباح العربية".
كل ما في الأمر أن محمد أبوعبيد كتب أبياتا من الشعر و هو المعروف عنه ولعه الشديد بالشعر و عشقه للغة العربية، و هو الملقب بـ "نصير الاثنتين"، اللغة و المرأة.

أبيات الشعر هذه تقول: "أنا القاضي بأمر الحب يابشر, وأدعوكم إلى التوحيد بالمحبوب, هذا دين من يهوى إذا ما حاد عنه الناس قد كفروا".

و قد نشر أبوعبيد هذه الأبيات على صفحته بموقع فايس بوك، حيث أنا و المسمى "محمد دياب" و 1726 آخرون موجودون ضمن قائمة أصدقاء الإعلامي محمد أبوعبيد على الفايس بوك، يمكن لنا جميعا رؤية كل ما يكتبه على صفحته، بما فيها هذه الأبيات سبب التكفير و التشهير الذي تعرض لهما أبوعبيد.

مباشرة بعد كتابته لهذه الأبيات، تلقى أبوعبيد ردا على صفحته من محمد دياب يطالبه فيها بحذف الأبيات و التوبة و العدول عن قرار نشرها، و بالمقابل رد عليه أبوعبيد بكل احترام كما عهدنا منه دائما، و قدم له وجهة نظره و حجته في عدم وجود كفر ضمن تلك الأبيات.

إلى هنا، القضية عادية جدا، و لم يظن أحد منا أننا بعد يوم واحد سوف نجد الموضوع منشورا بمواقع النت و منتدياته، تحت ذلك العنوان الظالم الذي بدأت به مقالي.

و المؤسف أن الموضوع لما نشر أضافوا له بعض التوابل من الكره و الحقد و العدائية، حيث اتهموا أبوعبيد بعدائه الدائم للسعودية، مع أني و بحكم صداقتي معه، كنت أراه دائما ميالا لهذا البلد، و هو صاحب المقال المعنون بـ "سعودية و نعم الفتاة"، و الذي لقي في وقته ضجة معتبرة و تلقى عدد تعليقات كبير على موقع العربية نت.

للأسف، جند حزب التكفير العشوائي و المجاني للناس لديهم أشكال كثيرة، قد يكون صديقا لك على الفايس بوك، أو زميلا لك في العمل، و ربما قد يكون أخا لك يسكن نفس المنزل و يحمل نفس اللقب، لما لا ما دام مرض تقمص شخصية الواعظ و رجل الدين قد أصاب الكثيرين، و خلق لديهم وقاحة كبيرة تمكنهم من اتهام الناس و نشر صورهم العادية و اتهامهم بالعري و إدعاء النبوة و ابتكار دين جديد.

الصورة المرافقة للموضوع العدائي هذا، تبرز الإعلامي محمد أبوعبيد و هو عاري الصدر، و هي صورة عادية منشورة بصفحته على الفايس بوك و بإمكان أي شخص أن يراها و يستنسخها، و إذا تعاملنا بمنطق الحلال و الحرام الذي يتبناه محمد دياب، فسوف نكون عندها أمام صورة شرعية و عادية جدا في منظور الدين الإسلامي، متى كان الصدر عورة يخبأها الرجل؟ مع العلم أنه يوجد بالفايس بوك إعلاميون و ناس عاديون نشروا صورهم خلال قيامهم بفريضة الحج، و كلكم تعرفون كيف هو لباس الإحرام بالحج لدى الرجال؟

كما أن الذي كتب الموضوع التكفيري قال بأن أبوعبيد فاجأ متصفحي الفايس بوك بنشر صورته عاريا، و في الواقع أن أبوعبيد قد دأب منذ تسجيله بالفايس بوك على نشر صوره العادية و في مختلف الأماكن، بالعمل، بالكافيريتا، بالسيارة، و هذه ليس المرة الأولى التي ينشر صورة له تبرزه و هو عاري الصدر، أي أن الأمر عادي جدا، و الذي كتب التهجم هو الذي لفق التهم و تلاعب بالمعلومات.

ما نشر عن الإعلامي محمد أبوعبيد هو حلقة تافهة أخرى من حلقات مسلسل حزب التكفير الذي لا تنتهي حلقاته أبدا.

و يكفي أن نقول أن سبب نشر محمد دياب لكل هذا هو عدم تقبله للحجج و المبررات التي قدمها له أبوعبيد، فما كان جزاءه إلا التكفير و التشهير، و كأن هذا الصحفي المغمور هو ظل الله في الأرض، و هو حامي الإسلام و مطبق الشريعة.