المحاباة...تهمة في فرنسا...و ميزة في الجزائر

واجه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في الأشهر الماضية تهمة المحاباة و اتهامات أخرى باستخدام و استغلال سلطته و مكانته و التوسط لابنه "جان ساركوزي" لكي يضفر بمنصب هام يجعله مكلفا بـإدارة وكالة التطوير العقاري لحي لاديفانس للأعمال التجارية في باريس.
المعارضون و المتهمون لساركوزي يرون بأن ابنه ليس أهلا لكي يتولى ذلك المنصب و بأنه يوجد من هو أجدر منه، لكنه وضع فقط من أجل عيون والده و إرضاء له.
التهمة غريبة جدا عندنا هنا، و هي أصلا ليست تهمة، و من يعتبرها تهمة هو بدوره يعتبرونه مجنونا، لأنه سيكون بالمفهوم الجزائري إنسانا يعيش في الأحلام و الخيال و لا يفهم الواقع و الأمور كيف تسير، هو ببساطة إنسان جايح، يفتقر إلى "القفازة".
" ربي و عندو حبابو" مثل قد يبدو صحيحا لكنه يستخدم لتبرير المحاباة و الوساطة و الرشوة، بينما المعروف أن أحباب الله هم من يتبعون طريق التقوى، و لا فرق بين عربي و أعجمي إلا بالتقوى.
أما الأحباب حسب مفهوم "القفازة الجزايرية" فهم الإخوة و أبناء العم و أبناء العرش و أصحاب الرشاوى.
كم منصب عمل عندنا سلّم بهذه الطريقة؟ كم منظفا و حارسا وظف حسب هذا المقياس؟ اذهبوا لمديريات التربية و تأكدوا كم أستاذا و معلما نجح في المسابقة بهذه الطريقة؟ كم طالبا نجح في الماجستير بقانون المحاباة؟ كم مسؤولا علينا نصب هكذا؟ كم وزيرا؟ و هل يمكن أن نقول كم رئيسا؟ و إن كان هذا السؤال خاصا فقط بالفترة التي بدأت فيها المرحلة المسماة بالتعددية و حرية الرأي و حرية الانتخاب. هل كنا ننتخب فعلا؟
أرجوكم، من فضلكم، كفاكم ضحكا على الشعب المسكين، كفاكم حديثا عن تكافؤ الفرص، و عن الشباب ثروة البلاد، الشباب الهارب منكم إلى أعماق بحار و إلى بطون الحيتان و أسماك القرش، تقديركم للثروة الهاربة كان بتجريم هذا الهرب و لومهم على قلة صبرهم، و عوض أن يقوموا بدور النبي يونس، اقترحتم عليهم أن يلعبوا دور النبي أيوب أكثر عباد الله صبرا على الابتلاء. مع احترامنا الكبير لأنبياء الله جميعا عليهم السلام.
البطالة و عدم تكافؤ الفرص و فقدان الإحساس بالذات هي أهم أسباب الانتحار و هروب الشباب، و المحاباة هي أول شيء يقضي على تكافؤ الفرص.
كما أن سياسات الشغل العقيمة و برامج التشغيل الساذجة لم تنجح في أن تكون عنصر تخدير طويل الفعالية.
المحاباة و الواسطة في كل مكان و في كل مجال، حتى مع المرضى و المعاقين، منذ سنوات طفولتي الأولى و أنا أرى العمليات الجراحية في المستشفيات الحكومية تسير بقانون المحاباة و الواسطة، و هناك دائما أسرة فارغة لأصحاب "المعريفة".
الحمد لله أن القبور لا تعطى بالمحاباة و لا تحتاج إلى وساطة، و إلا أصبح أغلب الناس يدفنون موتاهم في الأنهار و الوديان كما يفعل الهندوس أو السيخ أو طائفة من هذه الديانات.

بلد الشاب خالد و نور الدين مرسلي

خلال سنوات الإرهاب الدموي التي مرت على الجزائر، كان يؤلمني ككل الجزائريين أن ينسب بلدنا الجريح إلى الإرهاب و التطرف، و أن يعامل كل أفراد الشعب على أنهم إسلاميون متشددون يجب الحذر منهم أينما ذهبوا.
كانت الدول العربية كالغربية، متساوية مع بعضها في النظرة المشوهة التي يرون بها الجزائر، و متساوية في الوصف الذي ينعتوننا به، و كأنه يوجد اتفاق مسبق على ذلك، و كأن الإرهاب صناعة جزائرية مئة بالمئة، بينما براءة الاختراع في هذا المجال تعود إلى دول عربية و إسلامية أخرى، كانت تظن نفسها بعيدة عن المرض الذي صدرته لنا، و الآن هي تعيش في الدوامة نفسها التي صنعتها. اللهم لا شماتة.
خلال سنوات التسعينات السوداء، كان اسم الجزائر إذا ذكر في الصحافة العربية يكون مقرونا بالإرهاب، و الأوقات التي يكون بعيدا فيها عن هذا الوصف القاسي القريب من الحقيقة و من الباطل في آن واحد، هي تلك اللحظات التي ترد فيها أخبار عن انتصارات العداء الجزائري نور الدين مرسلي، و زميلته العداءة الجزائرية حسيبة بوالمرقة.
كان في ألعاب القوى عزاء كبير لنا، حيث نستطيع سماع أخبار سعيدة تتعلق ببلدنا على قنوات الآخرين، على القناة الوطنية الوحيدة، كان الأمر مختلفا جدا.
عزاء آخر كان لدى الجزائريين، عند تداول أخبار و نجاحات مغني الراي الأول الشاب خالد، الذي وصل إلى حيث لم يصل فنان عربي من قبل، هذه حقيقة و واقع، سواء قبلها من يرون في الراي فنا هابطا أم رفضوها.
من انزعج في التسعينات من نسب الجزائر للشاب خالد، هل كان يرضيه نسب الجزائر للإرهاب؟
أليس الأفضل نسب الدول إلى الفنانين و الرياضيين الناجحين في وقت تفشل فيه تلك الدول في توفير سمعة جيدة بسبب غياب كل ما هو جميل في الوقت الحاضر.
هل كان لدينا شخصيات جزائرية ناجحة و بارزة يراها الإعلام في تلك السنوات؟ ربما كانت أسماء زعماء الإرهاب أكثر تداولا من أي شخصية كانت.
في وقتنا الحالي، أفضل أن يقال عن الجزائر بلد الشاب خالد عوضا عن بلد الحراقة أو بلد الجنرالات، أو ربما بلد التناقضات، نكاد نأخذ هذا اللقب من الهند.

المطلوب، البقاء حيا حتى سن الــ18

بعض المسؤولين بالجزائر يستحقون محاكمتهم كما يحدث مع مجرمي الحرب بسبب قوانينهم الغبية الظالمة، و التي تقتل المريض بطريقة غير مباشرة، أو على الأقل تزيد من معاناته.
ما هو جزاء وزير مسؤول عن التضامن و عن الحماية الاجتماعية و الفئات المحرومة، يحرم الأطفال المرضى بالسرطان من منحتهم الشهرية ومن رقم التأمين؟ هو يحرمهم من العلاج و يزيد من معاناتهم و من معاناة أوليائهم.
هو يعلم أولياء الأطفال المرضى التسول والتنقل بين المساجد والجمعيات الخيرية من أجل توفير الدواء لأولادهم المرضى، وأي مرض؟ إنه السرطان.
هل يمكن أن يقال عن دولة بها مثل هذا الوزير أنها تحترم حقوق الإنسان؟
الغبي أو المنافق فقط من يقولان ذلك.
الطفل المصاب بالسرطان في الجزائر لا حق له إلا في العلاج الكيميائي و العلاج بالأشعة، وباقي الأمور التي يتطلبها العلاج يجب دفعها من جيب أولياءه إذا كان متوفرا لديهم، وإلا عليهم التدرب على فنون الاقتراض والتسول.
نموذج واقعي ومضحك مبكي في نفس الوقت لقوانين وزارة تدعي التضامن وهي أبعد ما يكون عن الرحمة والتضامن.
يقول القانون الموقر لهذه الوزارة بأن المنحة تعطى فقط للطفل المعاق ذهنيا أو حركيا بنسبة مئة بالمئة، وبالتالي فالطفل المصاب بالسرطان لا يعتبر طفلا معاقا، وعليه يجب أن يصبر لحين وصول سنه إلى الثامنة عشر لكي يتمكن من الاستفادة من المنحة ورقم التأمين. طبعا إذا كتبت له الحياة إلى غاية وصوله لتلك السن، ولا داعي لذكر عدد الأطفال الذين يفارقون الحياة كل شهر بمصلحة الأطفال بسبب السرطان.
هذا المرض قاتل، الكل يعلم ذلك، ولا مجال لتغطية هذه الحقيقة، لكن قسوة هذا المرض لم تشفع للأطفال المصابين به لدى وزير التضامن وفريقه المحترم لكي يعدلوا من هذا القانون الظالم.
ماذا يفعل نواب البرلمان الأشبه بالجواري والغلمان في القصور الملكية، هم لا يتحركون إلا بأوامر أسيادهم، كان الأولى بهم السعي لتغيير قوانين الحماية الاجتماعية الظالمة، من المفروض أنهم ينقلون مشاكل وانشغالات الناس إلى السلطة، لكن ما يصلنا من أخبار وإشاعات عنهم، يؤكد بأنهم منشغلون عن هموم الشعب بالتنقل بين الفنادق وتقسيم أوقاتهم الثمينة بين الأكل المفرط والسياحة العشوائية و انتقاء العاهرات الجميلات، وملئ الجيوب قدر الإمكان قبل انتهاء العهدة.
أين هي الجمعيات و منظمات ما يسمى بالمجتمع المدني؟ أم أنها هي الأخرى منشغلة بجمع الفتات وملئ الجيوب؟
من يجعل المسؤول في هذه البلاد يغير القانون الظالم بدون أن نرى فوضى وحرقا لإطارات السيارات و قطعا للطريق؟
تعود هذا الشعب وعودته حكومته أن لا شيء يتغير بدون فوضى وأعمال شغب.

مهزلة حفاظات الكبار

حفاظات الكبار أصبحت نادرة في جزائر العزة و الكرامة لدرجة استقدامها من الدول المجاورة، و خاصة تونس، الدولة الشقيقة التي تنعم بالأمن و الوفرة في كل شيء قابل للاستهلاك.
و الجزائر كادت أن تكون مثلها في الوفرة لولا العشوائية و الفوضى التي أصبحت هي السمة الغالبة في كل شيء موجود على هذه الأرض المرتوية بدماء الشهداء فيما مضى، و الآن هي ملك فقط لفئة قليلة تتفرج على معاناة الناس، و ربما تتلذذ برؤيتهم يتهافتون و كأنهم في يوم الحشر من أجل كيلو بطاطا أو علبة دواء أو حفاظة كبار تحفظ للمريض كرامته أمام عاملات المستشفى، و لا داعي للتذكير هنا بأن السجون أصبحت في بلادي أكثر رفاهية من المستشفيات، إنها حقوق الإنسان بالمنظور الجزائري الخلاق.
حفاظات الكبار تستقدم الآن من تونس و فرنسا بالعملة الصعبة، لأن مسؤولين أغبياء منعوا دخولها بطريقة عشوائية دون توفير البديل الذي يسمح بدخولها بطريقة قانونية منظمة، أو دون التأكد أولا إن كانت الكميات المنتجة محليا تكفي كل مرضى الجزائر المقعدين على فراش المعاناة في انتظار صدقة بالعملة الصعبة، صدقة لشراء حفاظات تسمح لهم بقضاء حاجاتهم دون إزعاج الآخرين.
من قبل كنت أجمع المال لشراء هذه الحفاظات من أقرب محل بالمدينة، الآن يجب عليّ أن أبحث أولا عن سائق تاكسي طيب القلب يقبل إحضارها لي من تونس، و بعدها يأتي جمع المال.
اعتدنا في هذه البلاد أن نبرر ندرة أي منتوج هام أو تافه، بأنه أمر مقصود بسبب إنشاء مصنع جديد يملكه جنرال كبير ينتج نفس المادة النادرة.
لا زلت أنتظر هذا الجنرال أو المسؤول الكبير الذي سيغرق السوق الجزائرية بحفاظات الكبار، لكن بدون جدوى.
إلى أين يريدون للوضع أن يصل؟ ماذا بعد ندرة حفاظات الكبار؟ و قبلها كانت ندرة أدوية كثيرة هامة لا يوجد بديل لها في السوق و في المخابر و المصانع المحلية.
إلى أي حد يمكن أن يصل صبر هذا الشعب؟ أم أن الفرحة التي صنعتها كرة القدم جعلته يصدق فعلا أنه يعيش مرحلة عزة و كرامة؟
لاعب كرة القدم وجد من يعيد له كرامته، فمن يعيد كرامة المريض المقعد؟