حضر الدين وغاب العلم

كثر النقاش في الأشهر الماضية بالجزائر حول فكرة إعادة تقنين بيوت الدعارة كحل لمواجهة مشكل اغتصاب الأطفال.

الفكرة طرحتها المحامية الجزائرية المعروفة “فاطمة بن براهم” خلال حديثها ضمن لقاء مع الإذاعة الجزائرية يوم 31 ماي 2008 بمناسبة العيد العالمي للطفولة. و كالعادة، و كأن الصحافة الجزائرية كانت تنتظر خبرا من هذا النوع لكي تسترزق منه، انتقل خبر دعوة المحامية لإشراف الدولة على بيوت الدعارة بسرعة هائلة، و أصبح سب وشتم ومهاجمة المحامية “بن براهم” هو الشغل الشاغل لكل من يمسك قلما ويريد الكتابة عن الفضيلة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فتحت الصحف باب النقاش والردود للمختصين والإعلاميين وعامة القراء أيضا، وللأسف أدلى الكل بدلوهم في الموضوع إلا أهل الإختصاص، علماء النفس والاجتماع، المعنيون الأوائل بمشكل الدعارة والبيدوفيلي رفقة علماء الدين طبعا الذين لم يتأخروا في توضيح موقفهم من الفكرة التي يبدو أن السيدة “بن براهم” وحسب ما يقال قد تراجعت عنها وأنكرت على الناس عدم فهمهم لها وتأويل الصحافة لكلامها.

فكرة فتح بيوت الدعارة القانونية لا أراها منطقية أبدا كعلاج لمشكل اغتصاب الأطفال، وكأي إنسان عادي وطبيعي التجارة بالجسد أرفضها، وبقدر ما أزعجني طرح الفكرة ضمن موضوع كبير وخطير وهو “البيدوفيلي”، بقدر ما أزعجتني كثيرا ردود عامة الناس ممن ارتدوا لباس الواعظين، مع أن الوعظ في مثل هذه المواقف يجب أن يترك لعلماء دين كبار وأساتذة شريعة لكي يكون تدخلهم مبنيا على أساس علمي صحيح ومقنع.

ما يؤسفني في كل ما حدث أيضا هو الغياب الواضح لباقي أطراف الموضوع، ذوي الاختصاص من أساتذة وعلماء النفس والاجتماع. لأن الدعارة قبل كل شيء هي مشكل اجتماعي، ومن المستحيل التحدث عنه دون إشراك كل الأطراف المعنية، لكن يبدو أن علم النفس والاجتماع غابا بسبب انسحاب أساتذته كالعادة من المشاركة في التغيرات والأحداث التي يمر بها المجتمع الجزائري، تاركين المجال لغيرهم من عامة الناس التحليل و إيجاد الحلول.

و يبدو أنه يجب أن أشير في آخر مقالي هذا إلى عدم معارضتي لتدخل علماء الدين أمام الفكرة التي طرحتها “بن براهم”، و لكني ضد غياب علماء النفس و الاجتماع.

0 تعليقــات:

إرسال تعليق

free counters

عن المدونة

مقالات الكاتب و الناشط في مجال الأعمال الخيرية و الإنسانية جمال الدين بوزيان