ثقافة الاعتذار

قبل أسابيع، اعتذر الرئيس الأمريكي باراك أوباما لفئة المعاقين، بعد أن أخطأ في حقهم خلال مقابلة تلفزيونية مسجلة مع "جاي لينو" في برنامجه "تو نايت شو"، حيث شبه مستواه في رياضة البولينغ بفئة ذوي الاحتياجات الخاصة، و قد جاء اعتذاره قبل بث البرنامج، و مع ذلك لم يسلم من الانتقادات و الاستنكار بسبب تصريحه غير اللائق.

مباشرة بعد سماعي للخبر، تبادر شيء واحد و محدد إلى ذهني، أين نحن من ثقافة الاعتذار هذه؟ هي غائبة تماما عن مجتمعنا و في دولنا، و عند ساستنا.

لم نسمع يوما مسؤولا جزائريا اعتذر عن خطأ اقترفه، مهما كان حجم الخطأ المرتكب، و مهما كان المسؤول كبيرا أم صغيرا.

لم نسمع يوما واحدا من رؤساء الدولة السابقين و الرئيس الحالي أو وزراءهم يعتذرون عن عدم وفاءهم بوعودهم المتكاثرة و المتواصلة للشعب، و لا عن سياساتهم الفاشلة، على الأقل كانوا يعتذرون لضحاياها المباشرين.

أخطاء فادحة تحدث بسبب فساد الإدارة و المسؤولين و المدراء، منازل تسقط و عمارات جديدة لا تصلح للسكن من أول يوم انتهت فيه عمليات البناء، و لا نسمع اعتذارا من الوزير المعني بالأمر، مع أن الأولى به كان الاستقالة، خاصة إذا أخذ الخطأ معه أرواح عائلات بريئة، كما حدث من قبل، و لم يستقل أحد و لم يعتذر.

كوارث البيدوفيلي مستمرة في مدارسنا، ضحايا الاعتداءات على الأطفال يتزايدون و مدير التربية لا يتغير أبدا و لو حول كل تلاميذ المدارس إلى المصحات النفسية.

في نفس المجال، حدثت أخطاء فادحة في الكتب المدرسية مست حتى الثوابت الوطنية كاللغة و الدين، و لم نسمع اعتذارا أو شيئا من هذا القبيل.

أما في المجال الاجتماعي، لا أريد أن أقول بأن المطلوب هنا هو توفر أوباما جزائري، على الأقل يؤمن بحق المعاقين في سماع اعتذار منه إن هو أخطأ.

لا أنتظر أبدا من وزير التضامن الوطني أن يعتذر لفئات محرومة كثيرة، مع أنه من المفروض أن يقدم الاعتذار عن استهزاءه بهم بتلك القوانين الظالمة التي تصدرها وزارته، المفروض أنه يعتذر لفئة الصم البكم بسبب حرمانهم من بطاقة الإعاقة و من المنحة و رقم التأمين، كما يعتذر لفئة المعاقين بسبب الشرط القاسي الذي تضعه وزارته مقابل إعطاءهم المنحة و رقم التأمين، هي تشترط عليهم الزواج، أن يكونوا أرباب عائلات، أي أن المعاق الأعزب ليس له إلا التسول لتأمين دواءه، و كذلك الأمر للأطفال المصابين بأمراض مزمنة، يجب أن يقدم لهم الوزير اعتذارا بسبب حرمانهم هم أيضا من المنحة و رقم التأمين و من الدواء، و إجبار أولياءهم على التسول بالمساجد و الجمعيات الخيرية.

لكن، يبدو أن ثقافة الاعتذار غير واردة أبدا في قاموس أصحاب القرار و الإصدار، كما هي غير واردة أبدا عند باقي أفراد الشعب فيما بينهم.

0 تعليقــات:

إرسال تعليق

free counters

عن المدونة

مقالات الكاتب و الناشط في مجال الأعمال الخيرية و الإنسانية جمال الدين بوزيان