كلام غير مقنع

كنت أنتظر من مسلسل "كلام نسوان" اقترابا أكثر من واقع المرأة العربية الحقيقي، و من المجتمع المصري الحقيقي، بما فيه المخملي أو الهامشي، و لكني وجدت نفسي أمام نسخة مشوهة من المسلسل الأمريكي الشهير Desperate Housewives، و اقتباسا لبعض حكاياته و مشاكله، و لبعض بطلاته أيضا.

الشيء المقنع الوحيد في مسلسل كلام نسوان هو بطلته الأولى "لوسي"، الموهوبة جدا من بين كل راقصات مصر اللواتي اقتحمن عالم التمثيل، و التي أثبتت نفسها في الدراما التلفزيونية كما في السينما، لوسي كانت الوحيدة التي يمكن متابعة كلامها من بين زميلاتها الثلاث الأخريات المتحدثات كثيرا في كلام نسوان، رغم أن لباسهن و أناقتهن كانت حاضرة بقوة على حساب تمثيلهن.

الخطأ الأكبر للمسلسل هو مغنية الفوركاتس مي دياب، التي لا علاقة لها بالتمثيل، فقد كانت مجرد عارضة أزياء تتجول طيلة أحداث المسلسل لترينا جسمها الجميل، مع أن لوسي أيضا تمايلت بجسمها كثيرا خلال المسلسل لتثبت لنا محافظتها على قوامها رشيقا رغم سنوات عمرها الكثيرة.

نادين الراسي أيضا كان بالإمكان استبدالها بأخرى تجمع بين الجمال و الموهبة، و نفس الأمر بالنسبة لفريال يوسف، و إن كانت هذه الأخيرة قد تنفع معها التوجيهات و دروس التمثيل، لأنها أحيانا تبدو مقنعة.

مسلسل كلام نسوان لم ينقصنه شيء سوى الاختيار الأنسب لبطلاته، و كان عندها يمكن أن يكون مميزا و لو بمشاكله الوهمية البعيدة عن واقع المجتمع المصري.

الطبقة الغنية في أي مجتمع كما في المجتمع المصري هي أمر حقيقي موجود، لها مشاكلها التي تشبه مشاكل الطبقة البسيطة أحيانا و تختلف عنها أحيانا أخرى، لكن تبسيط بعض المشاكل في الدراما و تضخيم مشاكل أخرى، يجعل الأمر و كأننا نشاهد أفرادا يعيشون في المريخ و ليس على كوكب الأرض، و هذا هو الخطأ التي وقعت و تقع فيه الدراما المصرية في الكثير من أعمالها، رغم ما يصحبها من بهرجة و تهويل إعلامي و دعاية و صحافة فنية مجندة، لأن الوسط الفني المصري و نجومه لديهم من التألق و جذب الأضواء ما لا يتوفر لدى الوسط الفني السوري أو الأردني أو الخليجي.

لكن و مع ذلك، الدراما السورية مثلا هي أقرب إلى الواقع و إلى معالجة القضايا بمنطقية و بعين الحقيقة، و كأن القائمين على الدراما المصرية يفترضون دائما أن الجمهور ساذج و بسيط و يقبل منهم ما كان يقبله في السبعينيات و الثمانينيات من القرن الماضي.

كنت أتمنى لو كان كلام نسوان مسلسلا عن ربات البيوت العربيات، الغنيات و الفقيرات، المتعلمات و الأميات، كنت أتمنى لو كان عن حياتهن و معاناتهن، رغباتهن و أحلامهن، لكن يبدو أني بأمنيتي هذه أحمل أصحاب هذا العمل الدرامي أكبر مما يمكن أن تصل إليه أنظارهم.

حزب الله يدخل من باب الحارة

البروز القوي لفكرة المقاومة في قصة مسلسل باب الحارة في جزئيه الثالث و الرابع، فتحت المجال واسعا لكي تصبح قصة المسلسل مقبولة بل و مطلوبة جدا لدى قناة المنار الممثل الإعلامي لحزب الله.

و يبدو أن أي عمل فني يحوي ما له علاقة من بعيد أو من قريب بفكرة مقاومة المستعمر، يلقى قبولا و ترحيبا كبيرا لدى القائمين على هذه القناة، و هذا ليس عيبا أبدا أن تتبع القناة ما يتماشى مع خطها الافتتاحي الذي أنشئت من أجله.

لكن، ما يجعلني محتارا قليلا، هو أن الغرض الأول من مسلسل باب الحارة هو الربح و التسلية الرمضانية المحترمة، و هذا أقصى ما قد تصل له قناة أم بي سي و مجموعتها الإعلامية الضخمة و الرائدة في مجالات كثيرة.

فمن غير المعقول أن يكون غرض القائمين على إنتاج المسلسل بالأم بي سي هو إحداث تلك المقاربة بين وضع المقاومة في يومنا هذا و بين وضعها في السابق، و إن كان كذلك، عن أي مقاومة يجب أن تكون المقاربة، مقاومة حزب الله بلبنان، أم مقاومة حركة حماس بفلسطين، و المعروف أن قنوات أم بي سي هي أبعد ما يكون عن الخط الذي تسير عليه تلك الحركات بكل إيجابياتها و سلبياتها، بل أن قناة العربية الإخبارية يتهمها البعض بمعاداة حزب الله و حركة حماس.

قناة المنار احتضنت باب الحارة و استقبلت في إحدى برامجها الخاصة بالعيد بعض أبطال الجزء الرابع إضافة إلى كاتب هذا الجزء "كمال مرة" و مدير مجمع القرية الشامية المحامي "نعيم الجراح"، و كان الحديث الرئيسي للحوار هو عن فكرة المقاومة في المسلسل.

لا أدري هل يتحول مسلسل باب الحارة من عمل درامي رمضاني يدر الملايين على قناة أم بي سي السعودية إلى سلاح إعلامي و لو بسيط في يد قناة المنار و حزب الله.

و هل بسبب هذا الانحراف الذي قد يحدث في هدف و دور المسلسل جراء احتضان المنار له، قد نشهد تغيرات جوهرية في أحداث الجزء الخامس من المسلسل؟ ربما السؤال يبدو سابقا لأوانه، لكن التحضير للأعمال الرمضانية المقبلة يبدأ عند البعض من الآن، بعد العيد مباشرة.