يوميات عامل اجتماعي

الحادثة التي سأكتب عنها الآن، لم يمر على حدوثها إلا بضعة أيام.

حيث و بسبب التعب الشديد و ضغط العمل الاجتماعي و عدم تمكني من الظفر بعطلة سنوية كأغلب زملائي، و بسبب شعوري باستنفاذ كل طاقتي، و بسبب شعوري بعدم الرضا عن تفريطي في أمور أخرى بسبب ضيق الوقت و عدم وجود عطلة، كل هذا جعلني عصبيا جدا مع الزملاء و مع المواطنين، و من المستحيل تجنب هؤلاء، فلا عمل بدون زملاء و بدون مواطنين.

و دائما هناك القطرة التي تجعل الكأس يفيض، قطرتي أنا هي ذلك المواطن ثقيل الدم جدا جدا جدا، و الذي لا يرضى أبدا حتى و لو ذبحت نفسي أمامه و جعلت دمي يسيل……..

هذا المواطن يعتبر نفسه ساعيا للخير، و هو لا يدري أنه بسعيه هذا يجعل أعصابي تحترق في كل مرة يزور فيها المكتب.

لدى هذا المواطن أقارب مسنون و معاقون يتقاضون منح العجز و الإعاقة، و في كل مرة يأتي فيها نحاول جاهدين إرضاءه لأننا أولا موجودون في ذلك المكتب لخدمة كل من يدخل له و يكون في حاجة لنا، و ثانيا تكون سرعتنا في خدمته لكي يسارع هو في الخروج من المكتب و يكف لسانه القاسي عن إسماعنا كلاما يحرق البدن و يثير أعصاب أكثر الناس بلادة.

منذ بضع أيام أتى هذا المواطن لاستخراج وثيقة تتعلق بأحد أقاربه المعاقين، و من المستحيل أن تكون تلك الوثيقة جاهزة في أقل من أسبوع، لأنها تمر على المديرية و بعدها تعود إلى مكتبنا، و من المستحيل أن تكون جاهزة في نفس اليوم حتى لو تعاطف مع ذلك المواطن كل الموظفين و العمال، فالإجراءات الإدارية البيروقراطية تكون في الغالب أقوى من الموظفين العاديين، لذلك أسعى دائما إلى استخدام الاتصال غير الرسمي عبر موظفين آخرين بمختلف الإدارات و المديريات لكي أخفف من سيطرة و ضغط و أثر الإجراءات البيروقراطية و مناهج العمل الإداري البدائي.

و لا أنكر هنا بأني أجد دائما مساعدة كبيرة من الجنس اللطيف، و الذي يثبت في مثل هذه المواقف أنه لطيف فعلا.

لكن قد يحدث أن يكون حظي مع الرجال و ألقى منهم مساعدة كبيرة جدا.

المهم، نعود إلى مواطننا ثقيل الدم، بكل بساطة و بدون إطالة، في المرة الأخيرة التي زارنا فيها هذا المواطن جعل كأسي تفيض بسبب إصراره على استلام الوثيقة في نفس اليوم، استفزني كثيرا بكلامه القاسي و لجهته الساخرة، فأخذ صوتي يعلو و أعصابي الثائرة أفقدتني عقلي و طردته من المكتب و رميت له الوثيقة فارغة على الأرض.

شتمني هو و استمر في إهانتي، و هدد بتقديم شكوى للمسؤولين، قلت له كأغلب الجزائريين لما يعبرون عن عدم خوفهم من المسؤول: "إذهب حتى إلى بوتفليقة"…….من قبل كنا نقول: "اذهب حتى إلى زروال"….و قبلها كنا نقول: "اذهب حتى إلى الشاذلي"….

فرؤساء الجزائر دائما حاضرون خلال فترات غضبنا.

لم يستمع له المسؤولون و لا الموظفون الآخرون، فقد قالوا له بأن "جمال الدين" لا يخطئ في حق المواطن إلا لما يستفزه أو يأمره أو يشتمه المواطن، لكنهم همسوا في أذني بأن أنجز له الوثيقة.

لكنهم لا يعلمون بأني أقسمت بالله بأن لا أنجزها أبدا، لا بعد أسبوع و لا شهر أو سنة.

بقيت حائرا في أمري، فمن المستحيل أن أترك نفسي سببا في تعطيل مصالح الناس عامة و خاصة العجزة و المعاقين.

قمت باستشارة صديق لي، هو أستاذ في علوم الشريعة و إنسان ذو علم و ثقة.

أرشدني إلى إطعام عشرة مساكين و إنجاز الوثيقة.

سعادتي كانت كبيرة لأني لن أعطل مصالح ذلك المواطن، و كذلك لأني سوف أمارس أكبر متعة لي في الحياة، و هي الإنفاق.

قمت فورا بتنفيذ ما طلبه أستاذ الشريعة، و ليس صعبا عليّ أبدا أن أعثر على عائلة فقيرة، ربما العثور على عكسها هو الأصعب.

و وثيقة ذلك المواطن جاهزة، فقد مر على هذه الحادثة أسبوع، و قد سلمتها له بنفسي لكن من دون أن يعتذر أحدنا للآخر.

لو كتبت عن ما يشبه هذه الحادثة، سوف أخصص لها مدونة لوحدها. و في الغالب لا أتصرف بذلك الشكل، خاصة مع العجزة و المعاقين ذهنيا، أبقى أستمع للشتائم حتى يتعبوا هم من الكلام، فيخرجوا من تلقاء أنفسهم.

نحن ندفع ثمن البيروقراطية الموجودة، و المعاملات الإدارية البدائية، و قبل كل هذا، ثمن قوانين الحماية الاجتماعية الظالمة، التي لا تحمي أبدا.