انبطاح الصحافة في زمن العهدة المضمونة

لم أتعجب لنتيجة الانتخابات الرئاسية الأخيرة، و لم تفاجئني نسبة فوز الرئيس الحالي و لا نسبة المشاركة، الطبخة كانت متوقعة من الجميع، مناصرين و معارضين، كما أني هذه المرة عايشت عملية التزوير و فهمتها جيدا، و لا يمكن طبعا أن أقول أني شاهد على عملية التزوير، لأنه ليس لي دليل مادي على ذلك.

ما جعلني أتفاجأ، هو نسبة الانبطاح، انبطاح الصحافة الجزائرية المكتوبة، و الناطقة بالعربية خاصة، و لم تسلم من هذا التحول نحو الانبطاح ربما إلا جريدة الخبر بكل فروعها، و هي في رأيي أكثرهم احترافية و صدقا و مصداقية.

بينما الصحف الناطقة بالفرنسية سارت أغلبها في طريق المعارضة، اختارت الصحف المعربة انتهاج مسار المساندة و التصفيق و التهليل للرئيس الأبدي و النادر حسب رأييهم، فهو حسب ما يقولون رئيس لم تلد الجزائر مثله من قبل و يشككون في أن تلد مثله فيما بعد !!!

لم أكن أتوقع أن يكون خضوع و خنوع الصحف المعربة إلى هذا الحد، خاصة بعض الصحف البارزة و الناجحة و التي عودتنا على النقد و الصراحة في الطرح، لكن يبدو أن الرئيس الحالي و من معه استطاعوا ترويض ما لا يروض أبدا، بدءا بالجنرالات و الوزراء و رؤساء الأحزاب، و وصولا إلى الصحف التي تسمي نفسها مستقلة و حرة.

لا أدري هل يوجد فعلا من لا يمكن ترويضه؟ كيف يتم الترويض؟

بكل بساطة، الترويض يتم عن طريق ملئ البطون و الجيوب، و مسح الديون، و المضحك المبكي أنهم بعد أن تملئ بطونهم ينقلبون 360 درجة إلى الجهة المعاكسة، لنسمع منهم بعد ذلك عبارات التبجيل و التعظيم للرئيس الحالي، لدرجة أن جريدة النهار مثلا نشرت قبل و بعد الانتخابات تقريرا مطولا عن حياة بوتفليقة سمته "لأول مرة…أسرار عن بوتفليقة الرجل"، و ستفاجئون لهول ما تقرؤون، حيث خيل إليّ أني أقرأ عن نبي جديد سيبعث إلى أرض الجزائر، و كأن كاتب الموضوع كان يحاكي سيرة سيد الخلق محمد صلى الله عليه و سلّم، أظن كاتب الموضوع كان يخجل فقط من إضافة عبارة "بوتفليقة رضي الله عنه"، فالجريدة التي نشرت الموضوع أثبتت أنها سيدة الانبطاح بلا منازع، و فعلا فقد فاتت باقي الجرائد بأشواط كبيرة في الانبطاح، رغم أنها كلها أقدم منها و كانت أسبق منها لميدان التودد لأولياء النعم.

كنت أعلم كما الجميع يعلم طبعا، أن حرية الصحافة بالجزائر هي حرية نسبية، و أن استقلاليتها ليست تامة، و كلها تعاني نوعا من التبعية لمصدر رأس المال، و لجهة صاحب الدعم و من له الفضل في استمرارية الجريدة، و مع ذلك لم أكن أتصور أننا سنرى صحافة منبطحة لهذه الدرجة مع الأيام الأولى للعهدة المضمونة.

0 تعليقــات:

إرسال تعليق

free counters

عن المدونة

مقالات الكاتب و الناشط في مجال الأعمال الخيرية و الإنسانية جمال الدين بوزيان