المحجبة في الأعمال الفنية، بين التقديس و التشويه

في السابق، لم نكن نرى المحجبة في الأعمال الفنية العربية، سواء في الأفلام أو المسلسلات، و كان غطاء الرأس يظهر فقط في حالة ما إذا كان الدور لشخصية من الريف أو دورا لأم كبيرة في السن، أو خلال مشاهد الجنائز.

اليوم، ظهرت شخصية المحجبة في تلك الأعمال و لكن في شكل القديسة أحيانا، و أحيانا في دور المرأة الفاقدة لتوازنها و سعادتها، و كأن ظروفها السيئة لها علاقة بحجابها.

عودة الفنانات المعتزلات و المحجبات إلى التمثيل، خلق نوعا من أدوار البطولة تكتب لهن خصيصا، لتظهرهن في شخصية المرأة الملتزمة التي تنشر الخير فقط و تساعد الناس، و كأن تلك الأخلاق لا تكون إلا إذا كان الرأس مغطى، و كأن الفنانة المحجبة فعليا و الملتزمة في حياتها الواقعية، حرام عليها تمثيل دور المرأة الشريرة في أعمالها الفنية؟ !!

هي ليست مضطرة لتقديم دور الراقصة أو المومس، فالدعارة ليست هي الشر الوحيد الموجود في الحياة، يمكن أن تقوم بدور الحماة الماكرة، أو سيدة الأعمال المختلسة، أو الموظفة المرتشية، و يمكن أن تقوم بدور الأم العازبة في إطار محترم جدا.

لكن ما نراه في أعمال سهير رمزي، و سهير البابلي، و منى عبد الغني، و صابرين…. و أخريات، هو تقديمهن لأدوار الوعظ الأخلاقي، ألم يكن الأجدر بهن تقديم برامج وعظ مباشرة على قنوات الدين التي تكاثرت مثلما تكاثرت أيضا قنوات الغناء الهابط، الأولى تسطح الدين، و الثانية تجعل الفن شيئا تافها جدا تنطبق عليه فعلا صفة الحرام.

أعمال فنية أخرى، و من منطلق رفض الحجاب رفضا مطلقا من طرف كاتب العمل أو مخرجه، تقدم المرأة المحجبة في شخصية مهزوزة و معقدة أو متطرفة، غير راضية على نفسها و على حياتها العائلية، أحيانا قد يكون سبب ارتداءها الحجاب في هذه الأعمال هو الظروف القاسية التي مرت بها، و ليست الأعمال المصرية فقط من تقدم هذه الصورة، بل الدراما السورية أيضا في بعض أعمالها.
ربما عبلة كامل هي الممثلة المحجبة الوحيدة التي لا تقدم أدوارا مثالية وعظية، و تمثل كل الشخصيات.

و ما المانع من أن تقوم ممثلة غير محجبة في الواقع بتقديم دور بطولة لشخصية محجبة، ليست متطرفة، و ليس قديسة، متحجبة ككل نساء و بنات المجتمعات العربية، أغلبهن محجبات، بعضهن متخلقات، بعضهن شريرات، فاسقات، نمامات، ناجحات، فاشلات، خجولات، جريئات، هذه هي الحياة، و هذه هي نماذجها، لماذا الإصرار على تقديم نماذج طفولية للشخصيات تصلح أكثر للرسوم المتحركة، حيث نتعامل مع المشاهد الناضج كما مع الطفل المتلقي بمنطلق الأبيض و الأسود.

الحجاب في وقتنا هذا، أصبح لباسا لخروج المرأة و فقط، أكثر منه لباسا دينيا أو لباسا ذو خلفية إيديولوجية أو سياسية، ربما في سنوات ظهور موجة الإخوان و وصولها في الثمانينات من القرن الماضي، كان الحجاب للمرأة الإخوانية فقط، أما اليوم، فهو رداء لخروج المرأة و تنقلها، أصبح عادة و ليس عبادة. فمتى يفهم أصحاب القرار في عالم الفن العربي هذا الواقع؟

صحوة البوركيني و النقاب

يا ليتها كانت صحوة في المضمون كما هي صحوة في المظاهر، بل و تلكع و غلو و مبالغة في تلبيس كل شيء عباءة الدين و الصحوة، المظهر الإسلامي ليس قشورا، لكن الاهتمام به لهذه الدرجة و الهوس به جعلنا نقول عنه قشورا.

ما يصطلح على تسميته بـ "الصحوة الإسلامية" أصبحت بادية أكثر في أشكال و لباس المسلمين، هذا إن كان فعلا ما يلبسونه هو الشكل النموذجي للمسلم الذي يرضي ربه و يسير على خطى نبيه و يدخل الجنة، لأن أغلبه لباسا أفغانيا للرجال، أو نقابا تنكريا للنساء، ربما قد يكون مفروضا في حالة ما إذا كانت صاحبته تضاحي الحور العين في جمالها و نورها.

ما لي أرى مظاهر التدين تزيد، بينما حال دنيا المسلمين يزداد فسادا، و القلوب تبتعد عن بعضها، و كأنها تطبق عكس الحديث الذي يصف المجتمع المسلم كأنه كالجسد الواحد في ترابطه.

ظاهريا، الصحوة موجودة، لكن في الواقع، الطمع و الجشع و الرشوة و الأحقاد أيضا تزداد بين الناس، الثقة بينهم منعدمة، المساجد ملئ بالمصلين، و القلوب خالية من الرحمة و الإيثار، الأنانية هي المحرك الأول و الوحيد لكل فرد، سواء ارتدى عباءة الصحوة و ركب مركبها، أو تخلف عنه، إذن، أين هو الفرق؟ بين شعوب ما قبل الصحوة و بين ما بعدها؟

صحيح أن عدد المصلين زاد، و انتشرت الثقافة الدينية، و انتشر الدعاة، و أصبح الجميع يعرفون ما هي النوافل، و يسارعون إلى صيام التطوع، لكن في نفس الوقت، نسبة الجريمة زادت، و عدد العاهرات تفاقم كثيرا، و دور العجزة و المسنين ملئ بالآباء و الأمهات ممن رماهم أبناءهم كما ترمى اللعبة بعد الملل منها.

الصحوة في مفهومها النظري شئ جميل، لو كانت فعلا صحوة تعطي للإنسان حقه و قيمته، و تجعله مسلما متمدنا متحضرا يقدس الحديث النبوي القائل "الدين المعاملة".

لكننا من قبل رأينا صحوة منحرفة حولت أغلب المنتسبين إليها إلى إرهابيين متعطشين لدماء كل معارض لهم، و الآن نحن أمام صحوة في المظهر على حساب المضمون، تجعل كل الرجال محجلين بزبيبة طبيعية أو مصطنعة، و النساء كلهن كالخيام السوداء المتحركة.
الصحوة الحقيقية لا تحتاج إلى من تصمم البوركيني عوضا عن البكيني، لأن الفتاة المحجبة عندما ترغب في السباحة تعرف لوحدها كيف تستر نفسها قبل أن تدخل للماء.

و الإسلام لا يحتاج لمن تذهب إلى فرنسا و تصر على البقاء بها و ترفض العودة لبلدها الأم، و في نفس الوقت تصر على التنكر بالنقاب و تطالب بحقها في التخفي، و تبدو في مظهر الضحية، بينما هي قادرة على العودة إلى بلدها الأصلي الذين يدين بالإسلام و يسمح لها بالتنكر طيلة حياتها.

لا أراها صحوة، بل عباءة لبسها الجميع.

لا نحتاج إلى عريكم.. أين أصواتكم؟

الانقلاب الذي أحدثته الموجة الجديدة من المغنيات والمؤديات بقيادة هيفاء وهبي ونانسي عجرم، جعلت الجو الفني كله معجرما كما يقول "محمد هنيدي"، وأكسبت الوسط الفني هيافة لا تناسب الكثيرات، من الأحسن لو تركوها لصاحبتها هيفاء وهبي، التي أثبتت أنها تتمتع بنسبة ذكاء لا بأس بها مكنتها من تصدر قائمة الشهيرات والجميلات ومن تحسين صورتها تدريجيا منذ ظهرت إلى يومنا هذا، ولعل الذكاء الأكبر يتمتع به صانعوها والساهرين على استمرار نجاحها.

ظاهرة هيفاء وهبي ليست بغريبة ولا جديدة بالوسط الفني العربي أو باقي الأوساط الفنية بكل دول العالم، فـكل وسط له كما يقال "اللوليتا" أو "الساكس سامبول"، وهيفاء هي الأنسب لهذا اللقب، والكل متفقون على هذا، سواء محبيها أو معارضيها ممن ينعتونها بأبشع الصفات. لومي الكبير موجه إلى مطربات كبيرات في الصوت والإمكانيات والموهبة، وأحيانا كبيرات في العمر أحيانا، لكنهن ركبن موجة الهيافة وظهرن في أبشع صورهن، فالأصل دائما جميل والتقليد قبيح. بتقليدهن لهيفاء ونانسي وضعن أنفسهن في مواقف "بايخة" على رأي عادل إمام.

لا نحتاج إلى رؤية جسد أصالة ومعرفة تفاصيله، وليس لدينا رغبة في رؤية ديانا حداد تتمايل بلباس لم تكن تلبسه في بدايتها الفنية لما كانت صغيرة، كما أننا لا نملك الفضول للإطلاع على الجزء المخفي من القوام الجميل لرويدا عطية، وزميلتها ومنافستها ديانا كرزون، المطلوب منها هو مواصلة حالة الطرب التي عشناها معها خلال عرض برنامج "سوبر ستار" قبل سنوات، بينما هي تتفنن في تغيير اللوك وتعلم كيفية التمايل وتحريك المؤخرة على طريقة هيفا ورولا سعد.

إن شخصية الفنانة "النغنوشة" لا تناسب كل من تتواجد بالوسط الفني، ولا يكفي أن تحمل الفتاة صفة أنثى لكي يمكن لها التصرف على طريقة اللوليتا، هناك صفات معينة جسدية ونفسية يجب أن تتوفر لكي تستطيع الفتاة الظهور بتلك الشخصية.

ولكن، ما ترفض رؤيته فنانات العرب، هو هذا، الواقع والحقيقة، حقيقة أن الجمهور لما يريد التمتع بجسد إحداهن من العربيات، سوف يبحث عن هيفا بالريموت كنترول حتى يعثر عليها، ولما يبحث عن الطرب فسيجده عند أصالة وفلة وديانا.

أحيانا أظن أن حتى هيفا لا يحتاجها العرب كثيرا، وسط كل هذا الزخم الهائل من قنوات المتعة الماجنة.

أشكالكم متعددة يا جند حزب التكفير

مذيع قناة العربية يتعرى ويدعو لدين جديد عبر صفحته في فيسبوك، بهذه العبارة الساذجة و العدائية اختار صحفي مغمور اسمه "محمد دياب" أن يكافئ صديقنا الإعلامي الفلسطيني المعروف بقناة العربية "محمد أبوعبيد" و مقدم أحد أبرز برامجها "صباح العربية".
كل ما في الأمر أن محمد أبوعبيد كتب أبياتا من الشعر و هو المعروف عنه ولعه الشديد بالشعر و عشقه للغة العربية، و هو الملقب بـ "نصير الاثنتين"، اللغة و المرأة.

أبيات الشعر هذه تقول: "أنا القاضي بأمر الحب يابشر, وأدعوكم إلى التوحيد بالمحبوب, هذا دين من يهوى إذا ما حاد عنه الناس قد كفروا".

و قد نشر أبوعبيد هذه الأبيات على صفحته بموقع فايس بوك، حيث أنا و المسمى "محمد دياب" و 1726 آخرون موجودون ضمن قائمة أصدقاء الإعلامي محمد أبوعبيد على الفايس بوك، يمكن لنا جميعا رؤية كل ما يكتبه على صفحته، بما فيها هذه الأبيات سبب التكفير و التشهير الذي تعرض لهما أبوعبيد.

مباشرة بعد كتابته لهذه الأبيات، تلقى أبوعبيد ردا على صفحته من محمد دياب يطالبه فيها بحذف الأبيات و التوبة و العدول عن قرار نشرها، و بالمقابل رد عليه أبوعبيد بكل احترام كما عهدنا منه دائما، و قدم له وجهة نظره و حجته في عدم وجود كفر ضمن تلك الأبيات.

إلى هنا، القضية عادية جدا، و لم يظن أحد منا أننا بعد يوم واحد سوف نجد الموضوع منشورا بمواقع النت و منتدياته، تحت ذلك العنوان الظالم الذي بدأت به مقالي.

و المؤسف أن الموضوع لما نشر أضافوا له بعض التوابل من الكره و الحقد و العدائية، حيث اتهموا أبوعبيد بعدائه الدائم للسعودية، مع أني و بحكم صداقتي معه، كنت أراه دائما ميالا لهذا البلد، و هو صاحب المقال المعنون بـ "سعودية و نعم الفتاة"، و الذي لقي في وقته ضجة معتبرة و تلقى عدد تعليقات كبير على موقع العربية نت.

للأسف، جند حزب التكفير العشوائي و المجاني للناس لديهم أشكال كثيرة، قد يكون صديقا لك على الفايس بوك، أو زميلا لك في العمل، و ربما قد يكون أخا لك يسكن نفس المنزل و يحمل نفس اللقب، لما لا ما دام مرض تقمص شخصية الواعظ و رجل الدين قد أصاب الكثيرين، و خلق لديهم وقاحة كبيرة تمكنهم من اتهام الناس و نشر صورهم العادية و اتهامهم بالعري و إدعاء النبوة و ابتكار دين جديد.

الصورة المرافقة للموضوع العدائي هذا، تبرز الإعلامي محمد أبوعبيد و هو عاري الصدر، و هي صورة عادية منشورة بصفحته على الفايس بوك و بإمكان أي شخص أن يراها و يستنسخها، و إذا تعاملنا بمنطق الحلال و الحرام الذي يتبناه محمد دياب، فسوف نكون عندها أمام صورة شرعية و عادية جدا في منظور الدين الإسلامي، متى كان الصدر عورة يخبأها الرجل؟ مع العلم أنه يوجد بالفايس بوك إعلاميون و ناس عاديون نشروا صورهم خلال قيامهم بفريضة الحج، و كلكم تعرفون كيف هو لباس الإحرام بالحج لدى الرجال؟

كما أن الذي كتب الموضوع التكفيري قال بأن أبوعبيد فاجأ متصفحي الفايس بوك بنشر صورته عاريا، و في الواقع أن أبوعبيد قد دأب منذ تسجيله بالفايس بوك على نشر صوره العادية و في مختلف الأماكن، بالعمل، بالكافيريتا، بالسيارة، و هذه ليس المرة الأولى التي ينشر صورة له تبرزه و هو عاري الصدر، أي أن الأمر عادي جدا، و الذي كتب التهجم هو الذي لفق التهم و تلاعب بالمعلومات.

ما نشر عن الإعلامي محمد أبوعبيد هو حلقة تافهة أخرى من حلقات مسلسل حزب التكفير الذي لا تنتهي حلقاته أبدا.

و يكفي أن نقول أن سبب نشر محمد دياب لكل هذا هو عدم تقبله للحجج و المبررات التي قدمها له أبوعبيد، فما كان جزاءه إلا التكفير و التشهير، و كأن هذا الصحفي المغمور هو ظل الله في الأرض، و هو حامي الإسلام و مطبق الشريعة.

عباءة لكل موسم

كثير من الناس يطبقون المثل القائل "لكل مقام مقال" و لكن في المكان الخطأ، و حيث لا يجب تطبيقه، و هم في الحقيقة يلبسون لكل موسم عباءته الخاصة به، حيث هناك موسم للتدين، ينزل فيه الوحي على الجميع و ينطقون حكما و مواعظ طيلة شهر رمضان، و يتقمصون شخصية شيوخ الدين، و كأننا في حفلة تنكرية اختار الجميع فيها التنكر في زيّ الأئمة و رجال الدين.

هناك موسم الاصطياف و الانحلال، يكون فيه الجميع على شاكلة أبطال الفيلم المصري القديم "في الصيف لازم نحب"، حيث كل أنواع العلاقات مباحة، و لا وقت لعمل آخر، فالإجازة في هذا الموسم ليست للموظفين فقط، و ليست راحة من الوظيفة فقط، بل هي راحة من كل شيء بما فيه عمل الخير و أعمال العبادة، و لا مجال هنا لتفصيل مدى معاناة العاملين في مجال الأعمال الخيرية و مساعدة المرضى، حيث تنقص مساعدات الناس لنا، و تكاد تنعدم، لا ألبسة و لا أدوية، و لا مال طبعا، فالإلهام انقطع، و وحي التدين لم يصل وقته بعد لكي ينزل.

و هذا العام ظاهرة تغيير العباءات تكون واضحة أكثر، لأننا لا زلنا في فصل الحب، و نقترب من شهر التدين، و سوف يتغير الناس في ظرف قصير من النقيض للنقيض بمجرد إعلان رؤية هلال رمضان.

هذه ليست دعوة لمقاطعة الراحة و الاستجمام، و ليست كذلك منعا للناس من تكثيف العبادات في الشهر الفضيل، و إنما رفضا لمظاهر النفاق و التناقض التي يعيشها الناس و بطريقة طبيعية و تلقائية. و خاصة أننا نجد نفس الشخص الذي كان يبيح كل شيء لنفسه على شاطئ البحر، يسابقك في الصفوف الأولى في صلاة التراويح !!!

حتى أن أغلبية الفنانين و الإعلاميين لما يتحدثون إلى الصحافة في شهر رمضان، يتقمصون شخصية المؤمن التقي الذي لا يفارق القرآن لسانه، و لا ترفع جبهته من السجادة من كثرة قيامه ليل رمضان.

يبدو أن عامة الناس و نخبتهم يشتركون في النفاق و يجيدون كثيرا تمثيل دور الإنسان المتدين.

أسميه نفاقا لأني أرى الأغلبية يعودون إلى محاكاة أحداث فيلم "في الصيف لازم نحب" بمجرد انتهاء الشهر الفضيل، و ربما قد يبقى تقمص دور المؤمن لغاية مرور موسم الحج.

أغلبية الناس يعيشون حياة شبيهة بتلك التي تعيشها راقصات مصر، اللواتي يرقصن طيلة أيام السنة، و خلال شهر رمضان يعتكفن في منازلهن للتفرغ للعبادة و أداء العمرة، الفرق بين العامة و الراقصات، أن الأخيرات تكون الأضواء مسلطة عليهن و اللوم موجه إليهن، أما العامة فلا أحد يلومهم على نفاقهم.

الملك العريان

الصحافة العربية مستمرة في تملقها، و مدحها الكاذب، كان نفاقا موجها لمصر في الغالب، و الآن أصبح مركزا خاصة حول كل ما هو سعودي، من سياسة و اقتصاد و فن و رياضة، حيث أصبحت السعودية بفضل الصحافة العربية هي الرائدة في كل الميادين، هي الراعي الأول للقضايا العربية المصيرية و الحساسة و المسير لها، و هي صاحبة الفضل في النعم التي تتمتع بها بعض الدول العربية، و هي عمود الاقتصاد العربي، و هي المنطقة التي تصدر باستمرار نجوم كرة القدم، حتى كدنا ننسى أن البرازيل هي منبع مواهب الكرة و المصدر الأول لها، أضحت السعودية بسبب تملق الصحفيين هي بلد المواهب الفنية الغنائية، و شبابها المشاركون في مسابقات تلفزيون الواقع هم الفائزون حتما، فالمسابقة أصلا تنظم بأموال بلدهم.

و غير بعيد عن الجميع ذلك الإعلامي الرياضي الشهير الذي كان يحسبه الجميع سعوديا بينما هو غير ذلك، حسبناه كذلك من فرط ما مدح المنتخب السعودي و نسي أن بلده أيضا لديها منتخب كروي.ما حدث لمصر من قبل عندما كانت هي هوليود الشرق، و ما يحدث مع السعودية الآن، يذكرني بقصة للأطفال تحكي عن ملك مغرور استغفله خدمه و ألبسوه من غير هدوم على رأي عادل إمام، و أوهموه أن لباسه نادر و رائع جدا لكنه غير مرئي له و يراه الناس، فخرج إلى شعبه الذي تجمهر لرؤيته عاريا كما ولدته أمه، و لم يجرأ أحد من الجمهور المحتشد على قول الحقيقة و لفت انتباه الملك لما فعل بنفسه، إلا طفلا واحد من بين الرعية صاح عاليا و قال الحقيقة التي منع الخوف و التملق رعيته من قولها.

الصحافة العربية التي تقتات في معظمها من تمويل شركات خليجية و سعودية، وجدت نفسها مرغمة على مسايرة مصدر تمويلها، و الدخول في لعبة التملق و المديح كما كان الشعراء قديما يفعلون مع الملوك، فأصبحنا نقرأ و نسمع و نرى عن إنجازات ضخمة و قرارات عظيمة و مواقف نبيلة، يتخيل لنا من خلالها أن الوطن العربي كله بخير ما دامت توجد بيننا دول بكل هذه العظمة.لا أقصد الانتقاص من أي دولة، و ليست لدي أي ميولات عنصرية اتجاه أي شعب أو فرد عربي، لكني أرى التملق الذي فتحنا أعيننا عليه في الصحافة، مستمرا و أصبح تملقا فضائيا بعدما كان مكتوبا بالدرجة الأولى.

لماذا لا يكون إعلامنا الفضائي موضوعيا، يتحدث عن الانجاز الجميل بدون مبالغة و تعظيم، و لا يتجنب الحديث عن السلبيات، لكن أيضا بدون أن يقوم بتهويلها، لأنه توجد منابر إعلامية تقول عن نفسها موضوعية و قريبة من الناس، بينما هي في الحقيقة قريبة من السلبيات و تكون حيثما تكون النقائص، و تبتعد عن كل شيء جميل.

التقليد بالخط العريض

في ميدان البرامج التلفزيونية، الأفكار تأتينا دائما من الغرب، هم بارعون في ابتكار البرامج المتنوعة و خلق أشكال مختلفة للإبداع التلفزيوني، و نحن متفوقون في شراء حقوق البث و الملكية، و استنساخ صور جميلة أحيانا و مشوهة أحيانا كثيرة عن تلك البرامج التي حتما هي جميلة في نسخها الأصلية، لأنها تكون متوافقة في الغالب مع طبيعة المجتمع الذي وجدت فيه و ظهرت من أجل أن تقدم لجمهوره، و لأن المشرف عليها مباشرة هو مبتكرها.

برامج التوك شو مثلا على طريقة أوبرا وينفري أو تايرا بانكس، رغم محاولات تقليدها عربيا إلا أنها كلها باءت بالفشل، برنامج ستار أكاديمي رغم الملايين التي دخلت جيوب منتجيه، إلا أنه عجز عن تخريج أصوات غنائية حقيقية إلا القليل جدا منها، على عكس النسخ الغربية من البرنامج نفسه.

برنامج أحمر بالخط العريض، هو بذاته يعاني من خطوط حمراء لا يجب تجاوزها، يفتقر إلى الجرأة الكافية الموجودة بالنسخ الغربية للبرنامج، هل يستطيع في نسخته العربية أن يطرح قضايا و مشاكل سياسية حقيقية انعكست على الفرد و المجتمع؟ و هل يستطيع أن يسمي دولا و أشخاصا معينين بأسمائهم؟ لماذا التركيز دائما على الدعارة و المثلية الجنسية التي أصبحت أغلب البرامج تتعمد مناقشتها لكي تكتسب صفة الجرأة و تلفت لها الأنظار.

التقليد في حد ذاته يكون مشوها أحيانا، و يجعلك تترحم على نسخه الأصلية التي تعتبر إبداعا حقيقيا.

كل تلك الأموال الطائلة المسخرة من طرف العرب لقنواتهم الفضائية لم تتمكن من خلق برنامج ناجح يكون عربي المنشئ و الأصل، و المضمون أيضا.

هل عجزت ملايين الدولارات العربية المتداولة في الإعلام المرئي من العثور على عقل عربي مبتكر و تحفيز روح الإبداع فيه؟

لا أنكر أن بعض البرامج الغربية في نسخها العربية كانت ناجحة و مناسبة أيضا للجمهور العربي، لكن إلى متى التقليد؟ و هل النجاح مضمون فقط عندما تكون الفكرة مستوردة من برنامج عالمي شهير؟

لماذا الخوف من المغامرة بإنتاج برنامج كبير بفكرة محلية مبتكرة عربيا؟

لا أظن أن كل هذه الكفاءات الإعلامية العربية الظاهرة لنا و المخفية تعجز عن طرح أفكار جديدة لمواضيع تكون خاصة بنا، لماذا لا نبيع نحن حقوق البث للآخر، و يستنسخ هو من عندنا؟

إن نفس المنهج المتبع في الإعلام التلفزيوني و برامجه، هو ذاته المتبع في عملية التنمية بالمنطقة العربية عامة و الخليج خاصة، حيث الأموال تقوم باستقدام الكفاءات الأجنبية و استنساخ الأفكار و عمل ما يسمى "نسخ - لصق" لناطحات السحاب و كل مظاهر التطور الأخرى.

اطمئنوا، لن آخذ مناصبكم

عندما ندخل أي مجال، نجد من يرحب بنا، و من يتجاهلنا، و أحيانا أخرى من يحاربنا لنعود من حيث أتينا.

و الحمد لله أني لم أجد كثيرا من يحاربني و يؤذيني مباشرة، سواء في ميدان عملي الاجتماعي ، أو في ميدان الصحافة الإلكترونية و كتابة المقالات.

و لكني لقيت من التجاهل ما يجعلني أغلق باب غرفتي و أعتصم بها، و أقسم على عدم الخروج أبدا.

هل التجاهل نوع من أنواع المحاربة و الأذية؟

ربما….

الغيرة و الحسد صفتان تميزان أغلب الناس، بدون استثناء، إلا من رحم ربك.

و ربما في أماكن العمل و النشاط تكون واضحة أكثر، خاصة بين الصحفيين و الإعلاميين و الفنانين حيث تكون درجة النرجسية و الأنانية طاغية جدا.

بعد إنهائي لدراستي الجامعية سنة 2000، دخلت عالم الصحافة المكتوبة الذي لم يكن أبدا دخولا موفقا بالنسبة لي، دخلته كمتربص و لم أكمل التربص أبدا، و لكني بقيت لمدة معينة وسط ذلك الجو مع بعض المراسلين الذين تعرفت عليهم، ممن يكتمون عنك كل ما يرون فيه فائدة لك، بعضهم كان منافقا و مجاملا لي، و بعضهم كانت الغيرة و الكره باديا على وجهه من الأول، رغم أني لم أكن أشكل أي خطر على أحد، فالفشل كان واضحا من الأول بأنه مصيري المحتوم في هذا الميدان، أقصد كمراسل صحفي، ربما ككاتب مقالات على النت لا أعتبر نفسي فاشلا و بكل تواضع.

حتى بعد عودتي للكتابة عن طريق النت، بقي التجاهل دائما هو الصفة المميزة لأبناء بلدي و مدينتي خاصة، و كأنهم يستكثرون عليّ تلك المساحات الصغيرة التي تنشر بها مقالاتي المتواضعة على مواقع النت العربية.

كما أن بعض المواقع تتعمد نشر مقالاتي مع صفحات القراء، و تحذف تعريفي في آخر المقال كناشط اجتماعي، مع أن العمل الاجتماعي هو فعلا عملي اليومي المأجور و التطوعي الذي تعرفني به كل المدينة، و لا يمكن أن أعيش بدونه.

كما أن أبناء بلدي الحبيب من الإعلاميين و الصحفيين، في الغالب يرفضون إضافتي على الفايس بوك، ليس كلهم، لكن فئة معينة، و الحمد لله أن أغلب الإعلاميين العرب المشاهير موجودون بقائمتي على الفايس بوك، و قبلوا الإضافة بكل تواضع، كما يوجد بالقائمة أدباء و صحفيون جزائريون بارزون قبلوا الإضافة من أول مرة.

قبول الإضافة بالفايس بوك ليس بالعافية كما يقولون بـ "مصر". ليس بالغصب و ليس إلزاميا. لكني أقول هذا من كثرة ما رأيت من تهميش منذ أول وهلة وطئت قدمي ميدان الصحافة، و رأيت كيف أهمش أنا و تعامل زميلة مبتدئة ذات مستوى علمي هابط معاملة مميزة، لمجرد أنها تلبس تنورة قصيرة أو بنطلونا ضيقا و قميصا بلا أكمام، يجعلهم يستطيعون استراق لمسات سريعة و خفيفة خلال حديثهم معها بدون أن تعترض هي.

و مع ذلك، لست من الذين يلومون غيرهم على فشلهم، أو يتخذون من الظروف الصعبة شماعة لتعليق الأخطاء عليها.

أعترف بتقصيري اتجاه حبي للصحافة، لأني لم أكن أملك نفسا طويلا و صبرا كبيرا، تراجعت في أول الطريق، بل و قبل البادية تراجعت، و لم أكن وفيا لحلمي و عشقي، بل هربت إلى عشقي الثاني، و انغمست لحد يومنا هذا في العمل الاجتماعي، لكنه لم يكن هروبا من الواقع، ليس اليأس هو من جعلني أتجه للأعمال الخيرية، بل كنت أحاول منذ صغري ترجمة متعتي في مساعدة الناس، و لم أكن أجد التوجيه الكافي…

و الحمد لله رزقني الله ما أكنت أدعو بأن يتحقق في صلاتي، أن يرزقني وظيفة تكون قريبة جدا من العمل الخيري التطوعي، و أنا أعمل الآن بوظيفة تجعل كل أنواع الفئات المحرومة بالجزائر تزورني يوميا. بينما وقت فراغي إن لم يكن مع النت و المقالات، فهو بالمستشفى مع أكثر ناس أحبهم في الدنيا، المرضى، لأنهم ضعفاء و مساكين، لا يعرفون الغيرة و الجحود، و لن أجد منهم الظلم، بل كل الخير أجده عندهم و الدعوات الجميلة أسمعها منهم يوميا.

أرجو أن تكون هذه الفضفضة فرصة لكل أحبائي لكي يتعرفوا عليّ أكثر. هي ليست للنشر بالمواقع على النت. بل سأنشرها فقط بمدونتي الشخصية.

كن ضحية أو جلادا لتنعم بحياتك

في هذا المقال لن ألوم الجلاد على ظلمه و قسوته، و لن أقف في صف الضحية للدفاع عنها، لن أكرر ذكر مجازر الإرهاب في الجزائر، و لن أبكي على ضحايا العشرية الدموية، و لن أتذكر شهداء الثورة الجزائرية و لا جرائم الاستدمار الفرنسي في حق الشعب الجزائري.

كل هذه الأحداث و الفترات القاسية، خلفت لنا إرثا ثقيلا جدا، فئة ظهرت بعد الاستقلال تسمى بـ "ذوي الحقوق" الذين استحوذوا على كل الحقوق، و هي تضم أرامل و أولاد الشهداء، و المجاهدين الحقيقيين و المزيفين و أولادهم و أقاربهم، و فئة أخرى جديدة بعد انقضاء عشرية الإرهاب اسمها "ضحايا المأساة الوطنية"، و هي تضم أفراد و عائلات الإرهاب و ضحاياه أيضا من عائلات الشرطة و الدرك الوطني و الجيش، و عائلات أخرى كثيرة كانت ضحية آلة الموت التي لم تتوقف لحد الآن، و لكن خفت حدتها فقط.

في الجزائر، أشياء كثيرة ليس للمواطن الحق فيها، أو على الأقل ليست له أولوية الحصول عليها إذا لم يكن ينتمي إلى فئة ذوي الحقوق، مثل السكن و الوظيفة و الترقية، و الإعفاء من الخدمة العسكرية، و العقارات، و سيارات الأجرة، و المحلات التجارية.

مثلا، إذا كان اثنان من حاملي الشهادات الجامعية تقدما إلى مسابقة التوظيف بقطاع التعليم مثلا، أكيد أن المرشح الذي يحوي ملفه وثيقة تثبت أنه ينتمي لفئة ذوي الحقوق سوف يكون الأوفر حظا لنيل منصب العمل، بما معناه أن المرشح الثاني لا معنى لتعبه و دراسته و تفوقه و نيله أعلى المراتب في سنوات دراسته أمام تلك الوثيقة.

و بصفة عامة، أي منصب توظيف يكون شاغرا، تكون أولوية التوظيف فيه لفئة ذوي الحقوق، و بعدها يأتي عامة الشعب، و كأنهم مواطنون من الدرجة الثانية. و نفس الأمر ينطبق على كل القطاعات الأخرى.

و أصبحنا نرى بوادر تحول فئة ضحايا المأساة الوطنية إلى نفس وضعية فئة ذوي الحقوق اليوم، و كأنه يجب أن تكون إرهابيا سابقا أو ضحية إرهاب لكي تكون لك بعض الحقوق و الصلاحيات.

يجب أن تكون ضحية أو جلادا، و إلا فلا حجة لديك لنيل حقوقك، و يجب أن تنتظر في الطابور الطويل جدا لنيل أغلبية ضروريات الحياة المدنية العادية.

اقطعي أنفك و احلق شاربك

الموضة تأتينا من أوروبا و أمريكا، و من باريس و إيطاليا خاصة، لكن بعض العرب أكثر هوسا بها، خاصة ممن يتواجدون بالوسط الفني و الإعلامي، ممن تكون الأضواء مسلطة عليهم، و يتتبع الناس أخبارهم و تحركاتهم، و طريقة حياتهم و كلامهم العميق و التافه.

أنوف الفنانات العربيات أصبحت تتشابه، و وجوههم كذلك، و كأنهم أفراد لعائلة واحدة، عائلة واحدة تكون سمات بناتها هي الأنف القصير جدا، بل و المقطوع، و كأن صاحبته عادت مشوهة من معركة حربية أو انفجار إرهابي.

كما تكون من صفات بنات هذه العائلة الكبيرة، الصدر الكبير المنتفخ كبالونات العيد، و المؤخرة البرازيلية البارزة، و الخدود الدائرية الاصطناعية، و الذقن الطويلة المدببة.

و كأنهن يشعرن بالنقص و الدونية لو لم تكن لهن نفس تلك الصفات، التي تصنف أنها على الموضة، أو أنها الشكل الدارج حاليا.

أشعر بالأسف لما أجد ممثلة كوميدية عربية موهوبة مثل "شكران مرتجى" تشوه أنفها تشبها بالجميلات، بينما حسناوات هوليود و بوليود لم يقدمن على فعل ما فعلته، و أتأسف كثيرا للشكل الذي أصبحت عليه المطربة أصالة، جمهورها لم يكن بحاجة لتغيير شكلها بتلك الطريقة، لكن هي من كانت تحتاج لرؤية نفسها على ذلك النمط المكرر، و بالمقابل هناك المطربة الكندية "سيلين ديون" التي وصلت للعالمية بجسم نحيف جدا غير منفوخ بالبوتوكس، و أنف طويل جدا.

الفنانة الأمريكية الكبيرة "بربرا سترايسند" و التي صنعت مجدها طيلة سنوات عمرها الـ 67 بأنف طويل و معقوف، و ملكة بوليود "أيشواريا راي" التي صنفت كأجمل امرأة في القرن الـ 20، وصلت لتلك المكانة بأنف معقوف قليلا، لو كان لدى فنانة عربية لغيرته و أصبحت مسخا فضائيا.

الأمثلة كثيرة جدا، فاتنة بوليود و أجمل جسد هندي "شيلبا شيتي"، لا تزال تحتفظ بأنفها الطبيعي الذي يعتبر عند أخصائي التجميل العرب أنفا مشوها يجب تعديله.

و الإعلاميات أيضا أصبن بعقدة الأنوف الطويلة، و قام عدد لا بأس به منهن بقطع أنوفهن على الموضة.

أما الرجال، فمن كان منهم يعتز بشواربه كرمز للرجولة، تخلى عن رمزه هذا بالتدريج، حتى لا ينتبه له الجمهور، قام شيئا فشيئا بالتخفيف من شعر الشوارب حتى حذفها كليا، و "راغب علامة" و "عاصي الحلاني" أفضل مثال.

كما لم يسلم الإعلاميون الرجال من موضة حلق الشوراب، خاصة ممن يعملون كمقدمي برامج و نشرات أخبار، بدبي خاصة التي تفرض على الساكن بها نمط حياة معين، لكي لا يصنف في خانة القديم و عديم الذوق أو المتأخر، بينما قد نجد نفس الإعلامي لما كان مراسلا في بلده الأصلي، كان يطلق العنان لشواربه تنمو كما شاءت.

تقلبات الموضة غير العقلانية، كانت أكثر تأثيرا على الوسط الفني العربي، و جعلت المنتسبات إليه أقرب إلى الكائنات الفضائية المتشابهة، بل و في الغالب جعلتهن مثل نجمات الأفلام الخليعة.

الفوز بفضلنا و الخسارة بسببهم

اشتداد حدة المنافسة و الاهتمام المتزايد هذه الأيام بكرة القدم و بتصفيات كأس العالم 2010، و بكأس القارات، و منافسات كروية أخرى شاركت فيها المنتخبات العربية، كلها أمور جعلتني أنتبه إلى ما أسميه الغرور الكروي العربي، أو جنون العظمة لدى الجمهور و المعلقين و المحللين الرياضيين على حد سواء.

فكل هؤلاء، لا يقبلون الواقع، و لا يعترفون بالحقيقة أبدا، و هم أبعد الناس عن الموضوعية، و إن كان جمهور المناصرين معذور جدا في سلوكه هذا، فإن الصحافة الرياضية العربية غير معذورة أبدا في انحرافها عن خط الموضوعية، بما تتضمنه من معلقين و مراسلين و محللين مختصين.

مع كل مباراة يربحها منتخب عربي، تنطلق هتافات التبجيل و التعظيم للمنتخب و أفراده، أي اللاعبين، و قد يتم تقديم الشكر و التقدير للمدرب إذا كان من نفس جنسية الفريق، أما إذا كان أجنبيا، فالتجاهل هو مصيره، أو على الأقل التقليل من شأن عمله و مجهوده المبذول، فقد حدث أن قيل عن أحد المدربين الأجانب لفريق عربي فاز في إحدى المباريات، بأنه أحسن اختيار اللاعبين المتميزين، أي أن تميز اللاعبين ليس بفضل المدرب و تعبه على تدربيهم، بل هم أصلا خلقوا متميزين، و المدرب فقط قام بانتقائهم.

أما إذا حدث و خسر الفريق العربي المباراة، فإن المدرب الأجنبي خاصة هو الشماعة التي تعلق عليها كل الأخطاء، و يقوم بهذا التعليق كل من الجمهور و الصحافة الرياضية التي عودت هذا الجمهور على عدم تقبل الخسارة بروح رياضية، و حجبت عنه النظر في مرآة الواقع.

بعد خسارة المباراة، تتعالى الأصوات المنادية بطرد المدرب و يتم نعته و معايرته بأبشع الصفات، كأن يعايرونه بأنهم صرفوا عليه أموالهم الطائلة بدون جدوى، مع أن الأجدر بهم أن يعترفوا أحيانا بتدني مستوى لاعبيهم، مستوى لا ينفع معه مجهود مدرب عالمي في وقت قصير، لأن المدرب لا يملك خاتم سليمان و لا فانوس علاء الدين السحري.

و قد يفسر سبب الخسارة على أنه تهاون و عدم بذل مجهود من طرف اللاعبين، يقال هذا حتى لا يتم الاعتراف بقوة الخصم و ضعف الفريق العربي.

إن انحراف الصحافة الرياضية العربية عن خط الموضوعية أراه نموذجا مصغرا لابتعاد الصحافة العربية ككل عن هذا الخط، و لرفض المجتمعات العربية أو الإنسان العربي للواقع كما هو، و محاولته المستمرة للكذب على النفس قبل الكذب على الناس.

إنها مطربة و ليست إلها

يتحدث الإعلام الفني هذه الأيام عن رفض المطربة الكبيرة فيروز لعرض ملك الراي المطرب الجزائري الشاب خالد، و الذي كان ينوي الغناء معها في ديو فني كما كان قد فعل من قبل مع فنانين عرب و أجانب، مثل عمرو دياب، ديانا حداد، الهندية-البريطانية "أمار دهانجان"، و الإيراني-السويدي "كامرون كارتيو"، و أخيرا مع الفرقة الإفوارية (من ساحل العاج) الشهيرة "ماجيك سيستام".

في الأول تقبلت خبر الرفض بطريقة عادية جدا، و الخبر في أصله فعلا عادي، و لا يتطلب أي رد فعل، سواء من محبي فيروز أو من محبي خالد، مع العلم أني من محبي الاثنين، لكن فيما بعد لم أجد إلا أن أتخذ موقفا بسبب ما سمعت و قرأت من تعليقات مؤيدة لفيروز تشكرها على رفضها، و تنتقص من الشاب خالد، و كأنه طلب الغناء من شيخ دين أو راهب أو كاهن، و ليس من مطربة مثله، مع الأخذ بعين الاعتبار الفرق في العمر الفني و الحقيقي لكل منهما، و ميدان شهرة كل واحد. لكن هذا لا يبرر تعليقات بعض الصحفيين و القراء المنتقصة من حجم فنان جزائري بقيمة و شهرة الشاب خالد، و الذي لا ينكر أحد عالميته و وصوله إلى حيث لم يصل أي مغني عربي، بمن فيهم فيروز، و حتى الراحلة كوكب الشرق أم أكلثوم.

سيلين ديون نجمة الغناء العالمي في الوقت الحالي، غنت مع عمالقة الأزمنة الفنية الماضية، و الذين هم بحجم فيروز في المجتمع العربي، و لم يعارض أحد ذلك أو يهاجم سيلين ديون، و كذلك المطرب الفرنسي الذي يعتبر أسطورة عالمية "شارل أزنافور"، غنى و لا يزال يغني ديوهات فنية مع فنانين كبار و صغار، من بينهم بعض المتخرجين من برامج تلفزيون الواقع الغنائية، و لم يعارضه أحدا أو ينتقص من قيمة المشاركين له في الغناء.

فيروز مطربة عربية كبيرة، هي رمز للفن العربي المتميز، بصماتها و بصمات الرحابنة معها لا تمحى أبدا، لكنها ليست إلها يمنع الاقتراب منه، هي لم تخطئ برفضها لمشاركة الشاب خالد، من سمحوا لأنفسهم بالتعليق هم من أخطئوا، و هذا ليس بالأمر الجديد علينا، حيث نؤله الفنانين و نتخذ لهم معابد خاصة، و نمنع أنفسنا من الإشراك بهم أبدا.

كما أن غناء الراي، هو فن جزائري عالمي قائم بذاته، نجاحه واضح جدا إلا لمن أبى النظر بعين الواقع، هو غناء، كلمات ملحنة، أم أن فيروز تتحدث وحيا منزلا؟ هي تغني، لكن الهائمين بها يرونه وحيا لا مثيل له، و هذا هو سبب انتقاصهم لكل من يود الوقوف بجانبها.

الجريمة بالمفهوم الجزائري

أخذت الهجرة غير الشرعية أو "الحرقة" بالجزائر بعدا آخر في السنوات الأخيرة، حيث تفاقمت الظاهرة وزاد عدد الشباب بل والشيوخ والنساء أيضا الحالمين بالهجرة والمنفذين لها. طبعا لا يجدون أمام تحقيق حلمهم إلا الهجرة غير الشرعية واللجوء إلى طرق غير قانونية كثيرة للوصول إلى أرض الخلاص، إلى الضفة الأخرى، حيث يحلمون ببلد آخر يستقبلهم، يجدون به ما ينقصهم، حيث يجدون الحيوان يتمتع بحقوق مقدسة وتخصص له مستشفيات وفنادق ومنتزهات، بينما في بلادهم قد يكون أغلبهم لا يملك من الحقوق إلا حق الوجود والحق في الحياة، وفي السابق حتى هذا الحق البديهي سلبته آلة الإرهاب من الشعب الجزائري، ولم تتوقف لحد الآن عن سلبه إياه، مع أن آلة صناعة الموت تمشي ببطء شديد اليوم، بعد تطبيق ما يسمى بـ "الوئام المدني" و"المصالحة الوطنية"، حيث نزلت أعداد هائلة من الإرهابيين وانخرطوا في الحياة المدنية بعدما ألقوا السلاح وأصبح يطلق عليهم اسم "التائبين"، لكنهم لا يحملون من التوبة إلا الاسم، لأن من يتوب يكون نادما على ما فعل ومنكسر الجناح و النفس، أما هؤلاء فنزلوا نزول المجاهد المنتصر، ويسيرون بيننا بشموخ و عزة.

خصصت الدولة لهؤلاء منحة شهرية قدرها 16 ألف دينار جزائري، وجرمت كل شخص يجرأ على نعتهم بالإرهابيين.

بالمقابل، المهاجر غير الشرعي أيضا يعتبر مجرما في نظر القانون الجزائري، ليس لديه الحق في تحقيق حلمه بطريقة غير قانونية، مع العلم أن كل الطرق الشرعية والقانونية مغلقة في وجهه.

كيف كان يقضي هذا "الحراق" يومياته قبل إقدامه على فعلته هذه التي يعتبرها النظام جريمة و نقصا في الوطنية؟

هو كان إما شابا بطالا، بطالته دامت لسنوات كثيرة حتى بدأ يرى بوادر الشيب تغزو شعر رأسه، فسارع إلى الهجرة قبل أن يصبح كهلا، و إما مواطنا عازبا لا يقدر على تكاليف الزواج، فاته قطار الإنجاب، وحتى وإن تزوج سيكون بمثابة الجد لابنه. وقد يكون أيضا حاملا لشهادة جامعية بلا معنى، ففضل الغرق معها في البحر و شرب ماءها، بعد أن سئم من سياسات التشغيل التي تسخر منه أكثر مما توفر له الحل.

أغلب هؤلاء الشباب كانت تمتلئ بهم المقاهي، هم ينافسون الشيوخ المتقاعدين على كراسي المقاهي، المقهى هو الاستثمار الوحيد الذي لا يخسر أبدا في الجزائر، لأنه من المستحيل أن تخلو من الناس، والفضل في ذلك للبطالة.

وكذلك يرجع الفضل لهذا القاتل الصامت (البطالة) في تفاقم ظاهرة جرائم النشل و قطع الطرق والسرقة بصفة عامة. ولا داعي للمرور على المخدرات، أو القول بأنها قاتل شرس آخر للشباب الجزائري ومستنقع آخر يغرق فيه.

البطالة أيضا يرجع لها الفضل في زيادة نسبة الانتحار، لأنه لا شيء يجعل الفرد يقدم على قتل نفسه مثل فقدان الإحساس بالذات والشعور بعدم القيمة وانعدام الجدوى.

ومع كل هذا، نجد النظام له الجرأة لتجريم المهاجرين غير الشرعيين واتهامهم بفقدان الوطنية.

عن أي وطنية تتحدثون؟ الوطنية التي تجعلكم تقضون عطلكم في سواحل "الكراييب"، أو التي تمكن أولادكم من الدراسة بالخارج بأكبر الجامعات و نيل أرفع المناصببأنجح الشركات؟

(صحيفة المتوسط - العدد: 12 - السبت 30/05/2009)

غطاء العفة الوهمي

لا يوجد مجتمع يصرح بوجود الانحرافات الجنسية به، و لا دولة تعترف بغرقها في وحل الدعارة، و الكلام هنا يتعلق خاصة بدولنا العربية و الإسلامية.

إنكار الدعارة و الانحراف يتم في ظل تفاقم هذه الظواهر لدرجة مخيفة، و بين الواقع الحقيقي و الحقائق الوهمية التي تصرح بها الدول، فرق كبير.

كما أن تغطية الشمس بالغربال لا تنفع، و لا ينفع أيضا دفن الرأس بالتراب مثل النعامة، فالتستر على وجود انحرافات جنسية حقيقية لا يؤدي إلا إلى زيادتها و نموها و انتشارها في صمت و بدون مجهود معارض من أحد.

لا ينفع إنكار وجود المثلية الجنسية بالجزائر أو بأي دولة عربية أخرى، حتى و لو كانت تلك الدولة تلبس عباءة الدين و تتقمص دور رعاية الدين الإسلامي. و لا أريد ذكر أي دولة عربية تفاديا للتفسيرات و الاتهامات الجاهزة.

كما أن نفي وجود الدعارة ببلد ما، لا يعني أنه في الواقع قد تكون هذه الدولة ماخورة العالم أو المصدر الرئيسي للرقيق الأبيض. و لا ينفع التستر على جرائم البيدوفيلي في رؤية الواقع الجديد و الذي يقول بأن هذا المرض تفاقم و صعد إلى السطح، و لم يعد مجرد سلوك مؤقت نتيجة غياب المرأة و تأخر سن الزواج. أتحدث هنا خاصة عن الوضع بالجزائر التي شهدت بالسنوات الأخيرة تزايدا ملحوظا جدا في ظاهرة الاعتداء الجنسي على الأطفال، و مؤخرا و بإحدى الملتقيات أنكر بعض الخبراء و الأخصائيين كونه مرضا حقيقيا و توجها جديدا للشباب و إنما هو بسبب الظروف الاقتصادية و تأخر سن الزواج. ما الفائدة من التصريح بالصحافة بأن شبابنا بخير و لا يعاني من ميولات جنسية مرضية، بينما الظاهرة في ازدياد و عدد ضحاياها لا يتوقف؟

كما أن نظام الحكم و تماشيا مع الطبيعة الدينية للمجتمع الجزائري، يرفض الترخيص القانوني لبيوت الدعارة و جعلها تعمل في إطار قانوني منظم، مع أن بيوت الدعارة السرية و ما يحدث في الواقع أكثر فظاعة مما لو كانت تلك البيوت مرخصة. مع العلم أني لست ممن ينادون بالترخيص لها، و إنما أتحدث عن التناقض في المواقف و التصريحات إرضاءا للشعب الذي يؤمن بوهم أنه يعيش في مجتمع محافظ و متدين.

ليس بهذه الطريقة نحافظ على صورة الجزائر الجميلة، ليس بإنكار الواقع و تجميل الوهم.

وباء بـ”سمنة” و وباء بـ”عسل”

وجدت هذا المثل الشعبي المصري مناسبا جدا لتعامل ما يسمى بالمجتمع الدولي مع مرض أنفلونزا الخنازير، الوباء الذي ملأ الدنيا هلعا و رعبا.

خوف كبير لا يبرره أبدا عدد الوفيات المسجلة بسببه، و لا حتى طريقة انتشاره و نسبة انتقاله بين الأشخاص و الدول، لأنه حدثت مثل هذه الجعجعة من قبل خلال ظهور أنفلونزا الطيور، و قبلها جنون البقر.

لست مستهينا بالمرض، و لا بكل ضحاياه، المكسيكي إنسان مثله مثل الأمريكي و الأوروبي و العربي، و الإفريقي….

هذا الأخير، يبدو أنه سقط من قائمة البشر، و كأنه إنسان من درجة ثانية أو ثالثة، و مهما حاول العالم غير الإفريقي التشدق بمقولات المساواة و نبذ العنصرية و حقوق الإنسان، يبقى دائما واقع الإنسان الإفريقي و خاصة المريض الإفريقي واقعا رهيبا جدا و مؤلما، واقع مؤسف في ظل كل ما يعانيه من أمراض بدائية تعرف باسم أمراض الفقر.

الكوليرا وحدها تقتل أضعاف ما سقط لحد الآن من ضحايا أنفلونزا الخنازير و أخواتها من أوبئة الألفية الثالثة، فقتلاها بالمئات سنويا، و المصابون بها بالآلاف، ففي زيمبابوي مثلا، توفي حوالي 500 شخص بوباء الكوليرا في الفترة ما بين شهر أوت و نوفمبر 2008، فيما سجل أكثر من 11 ألف مصاب.

هناك لا عدل في الضجة الإعلامية المرافقة لظهور أنفلونزا الخنازير و الطيور و بين ما تناوله الإعلام حول الأوبئة البدائية التي تصيب قارة إفريقيا باستمرار.

هناك من يفسر الجعجعة الإعلامية الدائرة حول الأمراض الجديدة هذه بدور شركات إنتاج الأدوية، لأنها فرصة مواتية جدا لتسويق أدوية و لقاحات قديمة و جديدة بكميات كبيرة جدا، خاصة و أن هذه الأمراض الجديدة و لحد الآن تظهر و تنتشر بالدول الغنية و التي يمكن لها شراء كميات هائلة من الدواء بدون انتظار تكرم الجمعيات و المنظمات الخيرية العالمية.

و سواء كان تهافت الإعلام على الوباء الجديد بريئا أو له خلفيات، هو تهافت غير مبرر، و المؤكد طبعا أنه جعل الفضائيات و الصحف تسترزق منه و من تهويل الأمر.

في بعض وسائل إعلامنا العربية و مواقع النت، أضحكتني كثيرا تلك التفسيرات التي تصور الأمر على أنه أمر إلهي و انتقام رباني من الكفار آكلي لحوم الخنازير، لأنه إذا طبقنا هذه التفسير على ظهور مرض جنون البقر، سيقول الهندوس أن ظهور المرض هو انتقام إلههم الذي يتجلى في صورة بقرة، أو تسكن روحه البقر.

ثقافة الاعتذار

قبل أسابيع، اعتذر الرئيس الأمريكي باراك أوباما لفئة المعاقين، بعد أن أخطأ في حقهم خلال مقابلة تلفزيونية مسجلة مع "جاي لينو" في برنامجه "تو نايت شو"، حيث شبه مستواه في رياضة البولينغ بفئة ذوي الاحتياجات الخاصة، و قد جاء اعتذاره قبل بث البرنامج، و مع ذلك لم يسلم من الانتقادات و الاستنكار بسبب تصريحه غير اللائق.

مباشرة بعد سماعي للخبر، تبادر شيء واحد و محدد إلى ذهني، أين نحن من ثقافة الاعتذار هذه؟ هي غائبة تماما عن مجتمعنا و في دولنا، و عند ساستنا.

لم نسمع يوما مسؤولا جزائريا اعتذر عن خطأ اقترفه، مهما كان حجم الخطأ المرتكب، و مهما كان المسؤول كبيرا أم صغيرا.

لم نسمع يوما واحدا من رؤساء الدولة السابقين و الرئيس الحالي أو وزراءهم يعتذرون عن عدم وفاءهم بوعودهم المتكاثرة و المتواصلة للشعب، و لا عن سياساتهم الفاشلة، على الأقل كانوا يعتذرون لضحاياها المباشرين.

أخطاء فادحة تحدث بسبب فساد الإدارة و المسؤولين و المدراء، منازل تسقط و عمارات جديدة لا تصلح للسكن من أول يوم انتهت فيه عمليات البناء، و لا نسمع اعتذارا من الوزير المعني بالأمر، مع أن الأولى به كان الاستقالة، خاصة إذا أخذ الخطأ معه أرواح عائلات بريئة، كما حدث من قبل، و لم يستقل أحد و لم يعتذر.

كوارث البيدوفيلي مستمرة في مدارسنا، ضحايا الاعتداءات على الأطفال يتزايدون و مدير التربية لا يتغير أبدا و لو حول كل تلاميذ المدارس إلى المصحات النفسية.

في نفس المجال، حدثت أخطاء فادحة في الكتب المدرسية مست حتى الثوابت الوطنية كاللغة و الدين، و لم نسمع اعتذارا أو شيئا من هذا القبيل.

أما في المجال الاجتماعي، لا أريد أن أقول بأن المطلوب هنا هو توفر أوباما جزائري، على الأقل يؤمن بحق المعاقين في سماع اعتذار منه إن هو أخطأ.

لا أنتظر أبدا من وزير التضامن الوطني أن يعتذر لفئات محرومة كثيرة، مع أنه من المفروض أن يقدم الاعتذار عن استهزاءه بهم بتلك القوانين الظالمة التي تصدرها وزارته، المفروض أنه يعتذر لفئة الصم البكم بسبب حرمانهم من بطاقة الإعاقة و من المنحة و رقم التأمين، كما يعتذر لفئة المعاقين بسبب الشرط القاسي الذي تضعه وزارته مقابل إعطاءهم المنحة و رقم التأمين، هي تشترط عليهم الزواج، أن يكونوا أرباب عائلات، أي أن المعاق الأعزب ليس له إلا التسول لتأمين دواءه، و كذلك الأمر للأطفال المصابين بأمراض مزمنة، يجب أن يقدم لهم الوزير اعتذارا بسبب حرمانهم هم أيضا من المنحة و رقم التأمين و من الدواء، و إجبار أولياءهم على التسول بالمساجد و الجمعيات الخيرية.

لكن، يبدو أن ثقافة الاعتذار غير واردة أبدا في قاموس أصحاب القرار و الإصدار، كما هي غير واردة أبدا عند باقي أفراد الشعب فيما بينهم.

ماذا عن حقوق المريض و المعاق؟

يتخذ الكثيرون من الدفاع عن حقوق الإنسان وسيلة لاستكمال بريستيجهم في المجتمع، و طريقا للوصول لغايات محددة، و لهذا، نجدهم يتجهون للدفاع عن قضايا معينة دون البعض الآخر من المشاكل المطروحة و التي قد تكون أولى و أكثر خطورة.

في الجزائر، توجد حسب علمي ثلاث منظمات كبرى للدفاع عن حقوق الإنسان، هذا عدا عن بعض الجمعيات الصغيرة المتخصصة في نفس المجال، و ما نسمعه لحد الآن من هذه المنظمات عبر وسائل الإعلام يتركز تقريبا حول قضية واحدة أو اثنتين، أحيانا عن قضية المفقودين خلال العشرية الدموية السوداء التي مرت بها الجزائر، و في رأيي هم متوفون و ليسوا بمفقودين، و أحيانا كثيرة، بل و دائما يكون حديثهم عن السجون و حقوق السجين، و إلغاء عقوبة الإعدام، و كأنه بالجزائر لا يوجد من يعاني من أفراد الشعب إلا المساجين.

ماذا عن حقوق المريض؟ عن وضعية مستشفياتنا الحكومية؟ ماذا عن الصراصير التي أصبحت تنافس المرضى في الفراش و الأكل؟ و عن القطط التي تملئ غرفا ممنوعة على أقارب المريض.

ألا يعلم هؤلاء المدافعون عن حقوق الإنسان أن عجز المستشفيات الحكومية، و جشع العيادات الخاصة دفع بعائلات كثيرة للتسول غير المباشر لعلاج أبناءها و مرضاها، ألا يعلمون أن المساجد و الجمعيات الخيرية أصبحت هي الممول الدائم للعيادات الجراحية الخاصة، فأغلب المرضى يلجئون لها بسبب تكاليف الأشعة و التحاليل و العمليات الجراحية باهظة الثمن.

أغلب من اختاروا دور الدفاع عن حقوق الإنسان بالجزائر كما في العالم هم من المحامين و رجال القانون، لكننا لم نسمع هنا عن تكفل أحدهم بالدفاع عن مريض أصبح أبكما بسبب خطأ طبي، و كم هم كثيرون الضحايا من هذا النوع، ممن يدخلون لعلاج مرض واحد و يخرجون من المستشفى بمرض إضافي أو عاهة مستديمة، كأن يدخل المريض لعلاج الغدة الدرقية فيخرج أبكما بعد العملية بسبب تلف أحباله الصوتية.

ألا يتابع هؤلاء الحقوقيون تغير القوانين الخاصة بحماية الفئات المحرومة، هي تتغير من ظالمة إلى أكثر ظلما، أظنهم ليسوا على علم بحرمان الأطفال المصابين بمرض مزمن من المنحة و الدواء، و أظنهم يجهلون الشرط الغريب الذي تضعه وزارة التضامن في طريق المعاق لكي يتحصل على المنحة، يجب أن يكون متزوجا، رب عائلة كما يقولون، كيف نطالب المعاق ذهنيا أو حركيا بالزواج؟ أليست نكتة؟ هذه ليست الهند بلد التناقضات، بل هي الجزائر بلد كل شيء ممكن، لكن كل شيء سيء و رديء.

نكتة أخرى من نكت وزارة التضامن، فئة الصم البكم ليست فئة معاقة، و ليس لديها الحق في بطاقة الإعاقة و المنحة و رقم التأمين، حجتهم في هذا الاختراع، هي أن فئة الصم البكم تستطيع الاندماج في سوق العمل. أليست نكتة تحرق الأعصاب و تسخر من كل أفراد الشعب، يحدثوننا عن عمل الصم البكم، في وقت يرمي فيه الشباب أنفسهم في البحر هربا من جحيم البطالة.

مهزلة الفنك الذهبي

ست سنوات من الرداءة

في كل مرة أتابع فيها حفل توزيع جوائز الفنك الذهبي السنوية، أتساءل عن سبب الإصرار على تكرار الرداءة و تكريسها، و أحاول جاهدا البحث عن حجة مقنعة للمهزلة المتكررة كل سنة.

ما الذي ينقصنا؟ أو ما الذي لا ينقصنا؟

ألا توجد بالجزائر مقدمة أو مذيعة تستطيع تقديم حفل مباشر بدون القيام بأخطاء كارثية، هل من المعقول أن تنسى مقدمة حفل فني سنوي اسم فنان بمرتبة "بسام كوسا" أو "باسم ياخور"؟ ما علاقتها إذن بالحفل و بميدان التقديم؟ من الذي أحضرها و أجبر الآخرين على قبولها؟

كل سنة، يغيرون مقدمة الحفل، و للأسف كلهن ينافسن بعضهن في الرداءة و المستوى الهابط، لا يجيدون الكلام أصلا، سواء بالعامية أو الفصحى أو الفرنسية، لا أدري من أين يتم استقدام أمثالهن، الأجدر بهن العودة إلى مجالاتهن الأصلية.

منذ العام الأول لانطلاق حفل الفنك الذهبي، و القائمون عليه يصرون على فكرة أن الحفل يساهم في تقديم صورة جميلة عن الجزائر الحالية بعد دخولها مرحلة جديدة، لكن في الواقع حفل الفنك الذهبي يكرس كل عام صورة سيئة عن الجزائر و فنها و مسؤوليها، و يؤكد مدى الفرق الكبير بيننا و بين من تمكنوا من الوصول باسم بلدهم عاليا عن طريق الفن.

كل عام، نشعر بخيبة كبيرة بعد الانتهاء من متابعة كوارث حفل الفنك الذهبي، التنظيم دون المستوى رغم ما يقال عن الجهد المبذول و الأموال المسخرة، عجز المنظمون حتى عن استقدام مقدمة مشرفة أو حتى عارضة أو مضيفة تتقن عملها و تجيد إحضار باقة ورد أو جائزة بدون أن يسيرها أحد أو يوجهها على المباشر، هل خلت الجزائر من مقدمة محترفة أو عارضة لديها نسبة ذكاء تتيح لها تذكر المطلوب منها في تلك الليلة؟

أم أن أصحاب الواسطة، أو بالأحرى صاحبات الواسطة هن الأولى بالعمل بذلك الحفل و النهل من أمواله المسخرة لإنجاحه؟

هل نعجز عن استقدام إعلامي جزائري محترف أو مذيعة جزائرية مقتدرة ممن تمتلئ بهم الفضائيات العربية؟ ألا يمكن استقدام أحدهم لليلة واحدة ليكون الحفل أكثر احترافية و جمالا؟ دول كثيرة تقوم بهذا ضمانا لسير الحفل بطريقة مهنية عالية.

عن أي صورة جميلة للجزائر تتحدثون؟ أنتم أسوء صورة يمكن أن تكون عن الجزائر و فنها.

في انتظار مليونير متشرد عربي

منذ أيام، دار حديث قصير بالإيمايل بيني و بين صديقي و أستاذي الناقد السينمائي صلاح سرميني، حول الفيلم البريطاني الحائز على 8 جوائز أوسكار "المتشرد المليونير"، و بما أن الفيلم يعتبر بوليوديا بطريقة غير مباشرة، فقد طلبت من الأستاذ صلاح أن يتحفنا بمقال نقدي جميل عن الفيلم، لأنه أصبح متخصصا في نقد الأفلام الهندية و شبه متفرغ للكتابة لها، و يعتبر رائد الكتابة النقدية السينمائية العربية الموجهة للسينما الهندية.

كنت متحمسا لمعرفة رأيه عن الفيلم و قراءة تحليلاته، فالفيلم هام جدا و يمكن قراءته من عدة جوانب، كما يمكن لأكثر من صاحب اختصاص الحديث عن الفيلم، و الأولوية طبعا للنقاد السينمائيين.

"المليونير المتشرد" فيلم هندي الهوى والمحتوى. كل ممثليه هنود.منهم أبناء الوطن، ومنهم المغتربون. اثنان فقط منهم هم من مشاهير بوليود، النجم الكبير (أنيل كابور – Anil Kapoor) والممثل المميز (عرفان خان - Irfan Khan) صاحب أدوار بطولة الصف الثاني المتميزة، كما أن القصة تدور في الهند وعن الهند وشعبها الفقير. وفاز "المليونير المتشرد" بأوسكار أحسن فيلم، في حفل توزيع جوائز الأوسكار الـ 81 الذي أقيم 22 شباط/فبراير في عاصمة السينما العالمية هوليوود. ويدور الفيلم حول شاب هندي فقير يشارك في برنامج مسابقات تلفزيوني من أجل كسب المال والحب. و من هناك تبدأ قصة صعود من العدم إلى الثراء في أحد أحياء مومباي وبلغ عدد الجوائز التي حصدها الفيلم في الحفل الذي نظمته أكاديمية الفنون والعلوم السينمائية بمسرح كوداك في لوس أنجلوس ثماني جوائز، من بينها أوسكار أحسن مخرج الذي فاز به البريطاني داني بويل.

وتغلب بويل (25 عاما) الذي لم يرشح من قبل للفوز بجائزة الأوسكار على ديفد فينشر مخرج فيلم "حالة بنيامين باتون الغريبة"، ورون هوارد مخرج فيلم "فروست نيكسون"، وجاس فان سانت مخرج فيلم "ميلك"، وستيفن دالدري مخرج فيلم "القارئ".نجاح "المليونير المتشرد" هو نجاح للسينما الهندية و للهند، وإن كان الفيلم يصنف رسميا على أنه بريطاني. فالسينما الهندية التي جاوزت المئة سنة من عمرها بدأت تقطف ثمار تميزها ومشوارها الطويل وصمودها أمام باقي أنواع السينما في العالم و خاصة أمام هوليود.
كان من قبل في 2001 فيلم " KabhiKushi Kabhi Gham " الذي وصل لأوروبا وأمريكا بطريقة محتشمة و في صالات العرض فقط بعيدا عن المهرجانات، وبعدهة فيلم " Lagaan " الذي تنافس على أوسكار أحسن فيلم أجنبي سنة 2002 ، و عده في سنة 2003 الفيلم الظاهرة الذي فتح البوابة الغربية واسعة أمام بوليود " Devdas "، و معه فتحت أبواب الجنة لنجمة بوليود (أيشواريا راي – Aishwarya Rai).

بوليود اليوم أصبحت منافسا لهوليود وملهمة لها. هذا عدا عن سيطرتها على السوق الآسيوية، هي نجاح آخر للهند يضاف لها تماما كما بروزها ونجاحها.

في ميدان المعلوماتية التي أصبحت شبه محتكرة له ومختصة دون غيرها في تخريج العلماء والمبتكرين. يحدث هذا في الهند، وبفضل السينما، التي لا نزال نحن هنا في مجتمعاتنا العربية على اختلاف مذاهبها وطوائفها وإيديولوجياتها، نتجادل هل هي حرام أم حلال؟ هل هي ترفيه يمكن الاستغناء عنه؟ أم هي صناعة ضرورية لا بد منها؟ هل يجب أن تحظى بدعم الدولة؟ ومتى يجب تسهيل الأمور للخواص للخوض فيها؟ وماذا يجب أن تقول و لا تقول؟ و كيف يكون شكلها؟ هل تكون واقعية أم خيالية؟ وبخصوص هذه النقطة الأخيرة، أرى بأن الأمر يتعلق بالاحترافية وإتقان العمل السينمائي، لا يهم هل هو واقعي أم رومانسي أم خيالي، ما ينقصنا هو عدم وجود أعمال متقنة تتحدث عن مشاكلنا المحلية و لو بخيالية و لكنها ترقى لمرتبة العالمية، و هذا ما فهمته بوليود وعملت عليه، هي سينما حالمة، غنائية استعراضية، وتجارية بامتياز، تمكنت منذ أكثر من 100 سنة من الحفاظ على خصائصها و الوصول إلى ما وصلت إليه الآن. وإلى أن يفهم صناع السينما العربية هذه المعادلة، يبدو أن انتظارنا لمليونير متشرد عربي سيطول كثيرا.

(صحيفة المتوسط - العدد : 04 - السبت 04/04/2009) بتصرف

free counters

عن المدونة

مقالات الكاتب و الناشط في مجال الأعمال الخيرية و الإنسانية جمال الدين بوزيان