أحلام اليقظة لا تصنع نصرا

حاولت عدة مرات منذ انتهاء العدوان الصهيوني على قطاع غزة أن أبحث عن صورة النصر الذي تتحدث عنه حركة حماس فلم أجدها، لم أتمكن من رؤيتها، هي صورة افتراضية توجد فقط في أحلام يقظتهم و في أذهان الشعوب المتأثرة بالخطابات الحماسية، شعوب معذورة في ذلك، ربما بسبب حبها الصادق لفلسطين وأمانيها الدائمة بتحرير الأراضي المحتلة. وهي أمنية نشترك فيها كلنا عربا ومسلمين، ومتفقون على هذا الموقف الثابت من القضية الفلسطينية منذ احتلال فلسطين سنة 1948 ومنذ بداية سنوات النكبة الـ 60.

متفقون على أن المقاومة حق مشروع لكل شعب محتل سلبت منه أرضه بالقوة، ما نختلف عليه، هو شكل تلك المقاومة، ونوعيتها، وأسالبيها، والعباءة التي تلبسها، أو اللون الذي تتلون به العباءة، نختلف عن تعريف المقاومة، هل هي مسلحة فقط؟ وهل المفاوضات هي شكل آخر من أشكال المقاومة أم هي استسلام وبيع للقضية؟

كما أن مشاعر التضامن مع أهل غزة وما حدث ويحدث معهم، أظنه أمرا مفروغا منه، ولا يمكن مناقشته، فرغم اختلافنا حول ماهية المقاومة، يبقى أمر التضامن مع أهلنا في فلسطين أمرا ثابتا وموقفا لا يتغير، وفلسطين ليست هي حماس، لذلك فانتقاد حماس لا يعني انتقاد فلسطين أو الفلسطينيين، أو عدم الوقوف معهم في محنتهم، ولا يستطيع أحدا أن يفرض علينا عدم انتقاد حماس أو تقديسها كما يفعل البعض وكأنها ظل الله في الأرض، نعم هي حركة مقاومة تدافع عن قضية عادلة نؤمن بها كلنا، لكنها حركة حسب تقديري غبية جدا وبقدر ما نؤمن بأن قضيتها عادلة، بقدر ما كانت غبية جدا في دفاعها عن تلك القضية، ومتهورة لأبعد درجة.

حركة حماس وللأسف تعاني من غباء إعلامي كبير، وتحاول من خلال تصريحاتها إقناع الناس بنصرها المحقق في حربها غير المتكافئة مع إسرائيل، أحلام يقظتنا تدور كلها حول تحقيق النصر الموعود، سواء كان انتماءنا حمساويا أو لا، لكن لا يمكن تصديق تلك الأحلام بمجرد وجودها في أذهاننا، أين هو النصر الذي تتحدث عنه حماس؟ هل سقوط أكثر من 400 طفل يعتبر نصرا؟ أو أكثر من 1300 شهيد في 20 يوما يعتبر فوزا في الحرب؟

حماس تقول بأن إسرائيل لم تحقق أهدافها من العدوان، نعم هذا صحيح، وهل حققت حماس مطالبها وأهدافها؟ هل فتحت المعابر بدون شروط؟ هل دخلت المعونات وشاحنات الغداء والدواء بدون رقابة؟ هل كسبت حماس مزيدا من التأييد والالتفاف حولها؟

حماس تقيس نصرها على نتائج الحرب التي صرحت بها، أي 48 شهيدا من مقاتليها، مقابل أكثر من 80 جنديا إسرائيليا، قد تكون أرقاما صحيحة، لكن ماذا عن الأطفال الـ 400؟ وما عن الـ 1300 شهيدا من باقي سكان قطاع غزة؟ ألا يحسبون ضمن معادلة الربح والخسارة؟ أم أنهم مجرد ضريبة حرب، والفلسطيني يجب أن يموت في مثل هذه الظروف ويكون مجرد رقم في ترمومتر الموت.

استشهد نزار ريان، وتوعدت حماس برد عنيف ولم نر شيئا، وبعده سعيد صيام، وتكرر الوعيد بالرد والنصر ولم نر شيئا، وسقط المزيد من الضحايا حتى جاوزوا الألف، واستمر الوعيد عبر التصريحات التلفزيونية، وللأسف لم نر نصرا.

خطابات الفضائيات التعبوية لا تصنع نصرا ولا تحقق فوزا، والأحلام الجهادية لا تحقق عبر إبقاءها في الأذهان والتمتع بها خلال اليقظة والنوم، ولا عبر الكلام المتناقل في وسائل الإعلام. ما فائدة الحديث حول ما يجب أن يكون في ظل عجزنا عن مواجهة ما هو كائن؟

0 تعليقــات:

إرسال تعليق

free counters

عن المدونة

مقالات الكاتب و الناشط في مجال الأعمال الخيرية و الإنسانية جمال الدين بوزيان