الجريمة بالمفهوم الجزائري

أخذت الهجرة غير الشرعية أو "الحرقة" بالجزائر بعدا آخر في السنوات الأخيرة، حيث تفاقمت الظاهرة وزاد عدد الشباب بل والشيوخ والنساء أيضا الحالمين بالهجرة والمنفذين لها. طبعا لا يجدون أمام تحقيق حلمهم إلا الهجرة غير الشرعية واللجوء إلى طرق غير قانونية كثيرة للوصول إلى أرض الخلاص، إلى الضفة الأخرى، حيث يحلمون ببلد آخر يستقبلهم، يجدون به ما ينقصهم، حيث يجدون الحيوان يتمتع بحقوق مقدسة وتخصص له مستشفيات وفنادق ومنتزهات، بينما في بلادهم قد يكون أغلبهم لا يملك من الحقوق إلا حق الوجود والحق في الحياة، وفي السابق حتى هذا الحق البديهي سلبته آلة الإرهاب من الشعب الجزائري، ولم تتوقف لحد الآن عن سلبه إياه، مع أن آلة صناعة الموت تمشي ببطء شديد اليوم، بعد تطبيق ما يسمى بـ "الوئام المدني" و"المصالحة الوطنية"، حيث نزلت أعداد هائلة من الإرهابيين وانخرطوا في الحياة المدنية بعدما ألقوا السلاح وأصبح يطلق عليهم اسم "التائبين"، لكنهم لا يحملون من التوبة إلا الاسم، لأن من يتوب يكون نادما على ما فعل ومنكسر الجناح و النفس، أما هؤلاء فنزلوا نزول المجاهد المنتصر، ويسيرون بيننا بشموخ و عزة.

خصصت الدولة لهؤلاء منحة شهرية قدرها 16 ألف دينار جزائري، وجرمت كل شخص يجرأ على نعتهم بالإرهابيين.

بالمقابل، المهاجر غير الشرعي أيضا يعتبر مجرما في نظر القانون الجزائري، ليس لديه الحق في تحقيق حلمه بطريقة غير قانونية، مع العلم أن كل الطرق الشرعية والقانونية مغلقة في وجهه.

كيف كان يقضي هذا "الحراق" يومياته قبل إقدامه على فعلته هذه التي يعتبرها النظام جريمة و نقصا في الوطنية؟

هو كان إما شابا بطالا، بطالته دامت لسنوات كثيرة حتى بدأ يرى بوادر الشيب تغزو شعر رأسه، فسارع إلى الهجرة قبل أن يصبح كهلا، و إما مواطنا عازبا لا يقدر على تكاليف الزواج، فاته قطار الإنجاب، وحتى وإن تزوج سيكون بمثابة الجد لابنه. وقد يكون أيضا حاملا لشهادة جامعية بلا معنى، ففضل الغرق معها في البحر و شرب ماءها، بعد أن سئم من سياسات التشغيل التي تسخر منه أكثر مما توفر له الحل.

أغلب هؤلاء الشباب كانت تمتلئ بهم المقاهي، هم ينافسون الشيوخ المتقاعدين على كراسي المقاهي، المقهى هو الاستثمار الوحيد الذي لا يخسر أبدا في الجزائر، لأنه من المستحيل أن تخلو من الناس، والفضل في ذلك للبطالة.

وكذلك يرجع الفضل لهذا القاتل الصامت (البطالة) في تفاقم ظاهرة جرائم النشل و قطع الطرق والسرقة بصفة عامة. ولا داعي للمرور على المخدرات، أو القول بأنها قاتل شرس آخر للشباب الجزائري ومستنقع آخر يغرق فيه.

البطالة أيضا يرجع لها الفضل في زيادة نسبة الانتحار، لأنه لا شيء يجعل الفرد يقدم على قتل نفسه مثل فقدان الإحساس بالذات والشعور بعدم القيمة وانعدام الجدوى.

ومع كل هذا، نجد النظام له الجرأة لتجريم المهاجرين غير الشرعيين واتهامهم بفقدان الوطنية.

عن أي وطنية تتحدثون؟ الوطنية التي تجعلكم تقضون عطلكم في سواحل "الكراييب"، أو التي تمكن أولادكم من الدراسة بالخارج بأكبر الجامعات و نيل أرفع المناصببأنجح الشركات؟

(صحيفة المتوسط - العدد: 12 - السبت 30/05/2009)

0 تعليقــات:

إرسال تعليق

free counters

عن المدونة

مقالات الكاتب و الناشط في مجال الأعمال الخيرية و الإنسانية جمال الدين بوزيان