كفاكم منا على الجزائر

قد يكون الكلام السخيف الذي تفوه به عمرو أديب خلال حديثه عن الجزائر سببا لكتابة هذا المقال، لكنه أكيد ليس السبب الوحيد، فعمرو أديب لا يستفزني أبدا للرد عليه و هو الذي لم يرضى عليه حتى أبناء بلده، و قد سبق و أخطأ في حق فريق بلاده الكروي، و ليس هو من يعطي رأيه في الجزائر و الجزائريين. و إن كنت أيضا غير راض على العداء الكروي المتبادل بين مصر و الجزائر، و الذي تحول إلى عداء و كره حقيقي من الطرفين، و أصبحت أنا بدوري أكره مناصري الفريقين، حيث حولوا التنافس الكروي إلى عداء يفوق عداء إسرائيل لفلسطين. و قد ألوم مناصري بلدي على التمادي في كرههم، و مناصري الفريق المصري على غرورهم و عدم اعترافهم بالواقع و رفضهم للحقيقة و تغطيتها بتحليلات المختصين الملفقة.

لكن الأمر لا يتعلق فقط بكرة القدم، ما يشكل بالنسبة لي سببا أكثر لكتابة هذا المقال، هو تعدد و تكرار سماع أصوات من يذكرنا بفضل بلده على الجزائر، عمرو أديب قال بأن مصر حررت الجزائر، و قالها غيره كثيرون، و الإخوة بالسعودية ابتدعوا لنا موضة الفضل السعودي على الثورة الجزائرية هذه الأيام، و كأنه لا يكفينا أن الإعلام العربي المتملق يمجد هذه الدولة الشقيقة و يسبح بحمدها و يعدد أفضالها على المنطقة العربية، لتخرج لنا موضة مساعدة السعودية للجزائر، لا تظلموا المملكة، لكن لا تعطوها أكثر من حجمها أو تمجدونها على أشياء لم تفعلها.

إن كانت فعلا هناك صدقات لدول عربية للجزائر خلال ثورتها على المستعمر الفرنسي، فلا يجب أن يتبع هذه الصدقات من و أذى، و إلا فماذا ستقول الأردن و سوريا و دول عربية أخرى لفلسطين بسبب مساعدتها لها؟ أم هل نحول اللاجئين الفلسطينيين إلى عبيد لنا بسبب مساعدتنا لهم؟

نفس الشيء يقال عن الجزائر، مساعدة بعض الدول لنا خلال ثورة التحرير لا تعني أننا نقبل بكل شيء من تلك الدول.

قد تكون هناك جوانب للموضوع أكبر مني بكثير و لا يمكن لي الخوض فيها بسبب تواضع ثقافتي السياسية و التاريخية، لكن ما أنا متأكد منه أنه لا يجوز المن في إعلام دولة على دولة أخرى، و إن بدأنا في تبادل التهم و سلبيات كل بلد و مجتمع، فكلنا خاسرون في النهاية، لأن بلداننا و مجتمعاتنا كلها ملئ بالعيوب كما بالمحاسن طبعا، و سيجد كل واحد منا في بلده على الأقل شخصا حقيرا يجب نفيه لكي تكون البلد في صورة مشرفة، سواء كان هذا الشخص حاكما، مسؤولا، أو مواطنا عاديا.

الفهد الوردي في نسخته الجزائرية

يبدو أن الرسوم المتحركة الشهيرة بالفهد الوردي قد ألهمت وزير التربية بن بوزيد لكي يفرض على تلاميذ الجزائر محاكاة الفهد الوردي و عدوه، فمنظر التلاميذ في الطرقات و هم منقسمون إلى فريق الذكور باللون الأزرق و فريق الإناث باللون الوردي ذكرني مباشرة بإحدى حلقات الفهد الوردي المعروفة، و التي يتنافس فيها هذا الفهد الظريف مع عدوه حول أي الألوان أفضل، الوردي أم الأزرق، لنرى منافسة بين لونين اثنين اكتست بهما الشاشة طيلة تلك الحلقة.

و إن كان الفهد الكارتوني و عدوه قد اتفقا مسبقا على تدرج واحد لا يتغير للون المختار، فإن وزير تربيتنا و من معه تركوا تجار و أبناء الجزائر و أولياءهم محتارون أي تدرج من تلك الألوان يختارون؟ و العملية كلها جاءت متأخرة، و التعليمة التي صدرت في أقل من عام جعلت الكل محتار، و كبدت أغلبية التجار خسائر كبيرة، أما الأولياء فسخطهم و شتائمهم الموجهة للمتسببين في هذه الخالوطة كانت بكل الأشكال و الألوان، و لم تكن مجرد شتائم وردية، و أضحى العثور على قطعة قماش زرقاء أو وردية أشبه بالبحث عن لبن العصفور.

و كأنه لا تكفينا كل الكوارث التي تقترف في حق تلاميذنا، لكي تظهر لنا موضة المآزر الوردية و الزرقاء، و كأن كثافة البرنامج و حشوه بما يلزم و لا يلزم لا تكفي، و كأن اكتظاظ المدارس لا يكفي، أو أن غلاء المعيشة بما فيها الأدوات المدرسية و ملابس الأطفال ليست كافية لاستفزاز الأولياء المساكين، أم أن جرائم البيدوفيلي المتفاقمة في حق تلاميذنا لا تكفي لكي نشهد هذا العام مهزلة الفهد الوردي في أبشع صورها.لا أدري هل هذا القرار هو حنين للفترة الاشتراكية، أم تطبيق خاطئ للحديث النبوي القائل "الناس سواسية كأسنان المشط"، فربما أرادت وزارتنا المساواة بين أبناء الشعب في المآزر، بينما الأولى تحقيق المساواة في جوانب أخرى جوهرية و توفير الحق في الحياة و الطعام و الدواء.

بتحليلي البسيط جدا، و رأيي المتواضع، لا أجد أمامي إلا نظرية المؤامرة على الشعب أو نظرية عبثية إصدار القوانين كتفسير لقرار المآزر الوردية و الزرقاء و مثيلاتها من القرارات الإدارية التي تجعل وثيقة بسيطة تحتاج لاستخراجها إلى تكوين ملف ثقيل جدا، و لا مجال هنا للوقوف أمام الأمثلة الكثيرة للهث المواطن المتكرر يوميا من أجل أمور بسيطة بسبب قوانين سخيفة لا تقدر قيمة المواطن كإنسان له احترام حقيقي و له حقوق يجب أن تعطى له على أرض الواقع، و ليست كحقوق الإنسان التي تقال لنا في المناسبات، بينما هي غائبة عن حياة المواطن اليومية.إن كان الفهد الوردي في نسخته الأصلية مسليا جدا و مضحكا لدرجة كبيرة، فهو في نسخته الجزائرية و بفضل وزارة التربية أصبح كوميديا سوداء تصيب متتبعها بأمراض القلب و الضغط و السكري.

جريدة الخبر الأسبوعي - العدد: 553