الأعمال التطوعية و الجمعيات الخيرية، ضروريات أو كماليات؟

التطوع و عمل الخير موجود منذ بدء الخليقة، و لا يخلو دين سماوي أو أرضي من نصوص تحفز على عمل الخير و مساعدة الناس و نشر كل ما فيه فائدة للمجتمعات و الشعوب.

كما لا تخلو المجتمعات الحالية في الألفية الثالثة من جمعيات و منظمات يكون أساسها التطوع و إفادة الصالح العام، سواء كانت مجتمعات علمانية أو دينية أو غيرها.

الأعمال التطوعية في عالم اليوم، كما في عالم الأمس، هي ضرورة في المجتمعات الفقيرة كما في المجتمعات الغنية، فعدا أن كلا المجتمعين لا يخلوان من الفقراء، و إن اختلف شكل ظهور الفئات المحرومة، عدا عن هذا، فالتطوع هو ضرورة لتعزيز و تكريس الإحساس بالمواطنة و الانتماء، و هو وسيلة لتنمية روح التضامن مع الغير لدى أفراد أي مجتمع، و هو وسيلة مكملة هامة لمساعدة السلطة على تسيير الأمور المحلية الصغيرة و الكبيرة، و هو في بعض الدول و المجتمعات وسيلة هامة لها الأولوية في التواجد قبل أجهزة الدولة نظرا لضعف هذه الأخيرة و فشلها في التسيير و تحقيق نتائج حسنة و مفيدة.

و تجدر الإشارة إلى أن الأعمال التطوعية أشمل من الأعمال الخيرية التي نقصد بها في الغالب العمل التطوعي المخصص لفائدة الفقراء و المرضى و الفئات المحرومة بصفة عامة، بينما يمكن أن يكون العمل التطوعي أيضا برنامج توعية موجهة لفئة معينة من المجتمع، ليس بالضرورة تكون فقيرة، يمكن أن يكون موجها لفئة السائقين، أو فئة النساء الحوامل، أو سكان حي معين بخصوص تحسين تسييره و تنظيمه، و قد يكون أغنى أحياء المدينة، لكنه يبقى بحاجة دائمة للعمل التطوعي.

و بالعودة إلى دور الأعمال التطوعية، نجده تكميليا في المجتمعات الغربية المتقدمة، بينما في مجتمعات العالم الثالث هو في الغالب دور ضروري جدا و قد يعوض في بعض الحالات دور الدولة الغائبة في مجالات كثيرة بسبب ضعف الخدمات الصحية، أو بسبب عدم سيطرة الدولة على الوضع الأمني، أو هشاشة السلطات المحلية و بعدها الكبير عن انشغالات المواطن الحقيقية، فالفقر و البطالة و السكن و الأحياء الهامشية و العشوائية هي مشاكل تزيد من ضرورة وجود جمعيات و منظمات محلية تجعل من العمل التطوعي جهدا يوميا متواصلا لسد الثغرات التي يخلقها ضعف الدولة و ضعف قوانينها.

من المؤسف أن نرى في دول الوطن العربي و دول العالم الثالث أعمالا تطوعية تكاد تعوض عمل الدولة المنتظر منها، من المحزن رؤية مستشفيات تعتمد بشكل كبير جدا على مساعدات الجمعيات و المنظمات، بينما من المفروض أنها مستشفيات وجدت لكي تكون الدولة المتكفل الوحيد و التام بالمرضى، و قد تكون الدولة العربية التي نتحدث عنها ذات مداخيل نفطية هائلة لكن مرضاها يتعلمون التسول من أجل الظفر بفرصة للعلاج و النجاة، نماذج كثيرة لدول عربية وضعها يشبه هذا الوضع.

أما عن الموارد البشرية في الأعمال التطوعية، ففي الوطن العربي و في ظل ما تعيشه أغلب المجتمعات العربية حاليا، من الصعب الحصول على طاقة بشرية كبيرة و مستمرة في الأعمال التطوعية، فاليأس الذي يلبس شباب العرب يقف حاجزا كبيرا بينهم و بين التطوع لفائدة المجتمع، كيف يفيد مجتمعا و دولة يراها الشاب العربي هي أول متسبب في مشاكله، و كيف يكون كريما مع نظام و سلطة يراها هي البخيل الأول الذي أخذ منه حقه.
و مع ذلك فالجانب الديني للموضوع يعزز الأعمال التطوعية و يكسبها صفة الواجب و الفرض الذي يجب على الشاب المسلم أو المسيحي القيام به.

و خلال عملي التطوعي بالمستشفيات، وجدت بأن الجانب الإنساني و الديني لا ينفصلان أبدا لدى المسلمين، فالأعمال التطوعية الموجهة خاصة نحو المستشفيات لا تخلو من رغبة مزدوجة لدى المتطوع، رغبة في إفادة المريض و مساعدته على العلاج و الشفاء، و رغبة في التقرب إلى الله و تنفيذ ما أمرنا به، و أمل في أن تكون تلك الأعمال التطوعية هي سبيل الخلاص غدا، في الحياة الآخرة.
من الضروري استخدام الجانب الديني بطريقة سليمة لمساعدة الأعمال التطوعية على الانتشار في مجتمعاتنا بدون إفراط أو تفريط و بدون أن يكون المنظر و الوضع و كأننا في مسلسل ديني عربي رديء، و بدون أن يؤول بنا الوضع كما آل بالأعمال التطوعية الخيرية التي وجهت الشباب من عمل الخير إلى اعتناق مذهب التكفير و ذبح الناس باسم الدين.

مجلة المسار الجامعية العمانية: 28/02/2010 - العدد: 185

0 تعليقــات:

إرسال تعليق