علمانيون أم صعاليك؟

كل مجال أو نظرية أو تنظيم في الحياة، فيه نماذج سيئة تسيء إليه وتمنحه معنى مختلف تماما عن الذي يجب أن يكون عليه، وتأخذه تلك النماذج بعيدا عن المبادئ الأساسية التي نشأ عليها ومن أجلها.
الأمر نفسه يحصل مع العلمانية، وحصل من قبل ولا زال مع التيارات الإسلامية التي شوه أصحابها الإسلام بما فيه الكفاية.
العلمانية أيضا لقيت من التشويه ومن الحياد عن مبادئها ما يجعلها في نظر عامة الناس مرادفا للعربدة والتصعلك و المشاعية الجنسية، وأحيانا كثيرة مرادفة للكفر نفسه.
ليس دفاعا عن العلمانية، فلها مفكروها ومنظروها وهم أجدر وأقدر على الدفاع عنها، لكن من الظلم أن نجد كل من يريد معاقرة الخمر والغرق في المتعة الجنسية مع العاهرات يدعي العلمانية و ينادي بها، تماما مثلما نجد الفاشلين والمعقدين نفسيا يتجهون للتيارات الدينية للاحتماء بها وإخفاء فشلهم و ممارسة انطواءهم باسم الدين.
أعرف أشخاصا يحسبون أنفسهم من النخبة والطبقة المثقفة، ويصنفون أنفسهم كعلمانيين، لكن علمانيتهم يمارسونها فقط داخل الحانات وبيوت الدعارة، وبعضهم لا يفرق في متعته الجسدية بين الذكر والأنثى والصغير والكبير، أما عند النقاش معهم، فهم أكثر احتكارا للفكر والحقيقة من الإسلاميين المتطرفين، ويمارسون على معارضهم إرهابا فكريا يجعلك ترى نفسك أكبر رجعي على وجه الأرض.
بعضهم وجد راحته في علمانيته لكي يرتاح من كل التكاليف التي يفرضها عليه دينه أو تمليها عليه تقاليده وعاداته، وكيف يؤمن بالعلمانية من لا يؤمن بحرية الفكر والاعتقاد، ويرى الحقيقة من زاويته الضيقة فقط، ويرفض الحوار ويبتعد عن التسامح ويغلق باب الأفكار الأخرى.
بعضهم وجد راحته في علمانيته لكي يستمر في أفكار مستعمره، والعلمانية لا تعني أبدا الفرونكوفونية، ولا تتطلب أبدا تمجيد فرنسا أو أميركا، كما أن تطبيق العلمانية يختلف من دولة لأخرى، وتجارب الدول المختلفة يثبت هذا.
ما المانع من أن يكون الفرد علمانيا عفيفا متخلقا عابدا لربه، وفي نفس الوقت منفتحا على العالم وعلى الأفكار والديانات الأخرى، من دون انصهار أو إقصاء، أم أن العلمانية تلغي العفة؟ أو التدين يلغي التسامح ويغلق العقل؟
بعض المثقفين المحسوبين على تيار العلمانية يتعمدون في كتاباتهم التشبه بأبي نواس سواء في شعرهم أو نثرهم، وكأن الإبداع لا يكون إلا بوصف تفاصيل جسد المرأة أو تسمية عورات الإنسان واستخدام لغة المراحيض.
لست أطالب بإقصاء وقمع المبدعين، وموقفي ليس دعما للرقابة الفكرية، لكن من الظلم أن تكون أغلب لغة المحسوبين على العلمانية هي فقط مجون و جنس وخمر، ومن المؤسف أن يكون خطابهم مركزا فقط على غرائز الجسم، و إن كانت هي غرائز حقيقية و موجودة لدى كل إنسان.
هل كل ما هو موجود في الحياة يجب أن نكتب عنه و نصفه؟ و بأي طريقة يكون الوصف؟ ولمن يوجه ذلك الإبداع؟
ربما هذا موضوع آخر لا يتسع المجال له الآن.
العلمانية قبل كل شيء هي عدل و حرية اعتقاد، وليست عشوائية في ممارسة الرذائل وذريعة للابتعاد عن الأخلاق والفضيلة.

0 تعليقــات:

إرسال تعليق