الفهد الوردي في نسخته الجزائرية

يبدو أن الرسوم المتحركة الشهيرة بالفهد الوردي قد ألهمت وزير التربية بن بوزيد لكي يفرض على تلاميذ الجزائر محاكاة الفهد الوردي و عدوه، فمنظر التلاميذ في الطرقات و هم منقسمون إلى فريق الذكور باللون الأزرق و فريق الإناث باللون الوردي ذكرني مباشرة بإحدى حلقات الفهد الوردي المعروفة، و التي يتنافس فيها هذا الفهد الظريف مع عدوه حول أي الألوان أفضل، الوردي أم الأزرق، لنرى منافسة بين لونين اثنين اكتست بهما الشاشة طيلة تلك الحلقة.

و إن كان الفهد الكارتوني و عدوه قد اتفقا مسبقا على تدرج واحد لا يتغير للون المختار، فإن وزير تربيتنا و من معه تركوا تجار و أبناء الجزائر و أولياءهم محتارون أي تدرج من تلك الألوان يختارون؟ و العملية كلها جاءت متأخرة، و التعليمة التي صدرت في أقل من عام جعلت الكل محتار، و كبدت أغلبية التجار خسائر كبيرة، أما الأولياء فسخطهم و شتائمهم الموجهة للمتسببين في هذه الخالوطة كانت بكل الأشكال و الألوان، و لم تكن مجرد شتائم وردية، و أضحى العثور على قطعة قماش زرقاء أو وردية أشبه بالبحث عن لبن العصفور.

و كأنه لا تكفينا كل الكوارث التي تقترف في حق تلاميذنا، لكي تظهر لنا موضة المآزر الوردية و الزرقاء، و كأن كثافة البرنامج و حشوه بما يلزم و لا يلزم لا تكفي، و كأن اكتظاظ المدارس لا يكفي، أو أن غلاء المعيشة بما فيها الأدوات المدرسية و ملابس الأطفال ليست كافية لاستفزاز الأولياء المساكين، أم أن جرائم البيدوفيلي المتفاقمة في حق تلاميذنا لا تكفي لكي نشهد هذا العام مهزلة الفهد الوردي في أبشع صورها.لا أدري هل هذا القرار هو حنين للفترة الاشتراكية، أم تطبيق خاطئ للحديث النبوي القائل "الناس سواسية كأسنان المشط"، فربما أرادت وزارتنا المساواة بين أبناء الشعب في المآزر، بينما الأولى تحقيق المساواة في جوانب أخرى جوهرية و توفير الحق في الحياة و الطعام و الدواء.

بتحليلي البسيط جدا، و رأيي المتواضع، لا أجد أمامي إلا نظرية المؤامرة على الشعب أو نظرية عبثية إصدار القوانين كتفسير لقرار المآزر الوردية و الزرقاء و مثيلاتها من القرارات الإدارية التي تجعل وثيقة بسيطة تحتاج لاستخراجها إلى تكوين ملف ثقيل جدا، و لا مجال هنا للوقوف أمام الأمثلة الكثيرة للهث المواطن المتكرر يوميا من أجل أمور بسيطة بسبب قوانين سخيفة لا تقدر قيمة المواطن كإنسان له احترام حقيقي و له حقوق يجب أن تعطى له على أرض الواقع، و ليست كحقوق الإنسان التي تقال لنا في المناسبات، بينما هي غائبة عن حياة المواطن اليومية.إن كان الفهد الوردي في نسخته الأصلية مسليا جدا و مضحكا لدرجة كبيرة، فهو في نسخته الجزائرية و بفضل وزارة التربية أصبح كوميديا سوداء تصيب متتبعها بأمراض القلب و الضغط و السكري.

جريدة الخبر الأسبوعي - العدد: 553

0 تعليقــات:

إرسال تعليق